Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

لعنة الحب الأول #23

love-family-secretManel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر

جلس والدها قبالتها على طاولة الطعام...كما إعتاد أن يفعل... ترشّفت قهوتها و تأمّلت طلّته البهيّة... ها قد إرتدى ما إختارته له من ملابس...بدا رائعا بقميصه الأبيض و ربطة العنق السوداء المقلّمة بالبياض...كم تحبّ تفاصيله...طريقة إمساكه لفنجان القهوة....كيفيّة تدخينه للسيجارة....حتّى إرتداد أنفاسه يبعث فيها الفخر لأنّها إبنته... يقلقها أن تراه مهموما هكذا ...لو أصاب والدها مكروه ما ...كيف لحياتها أن تستمر و الحال أنّه إكسيرها؟... هوّ ليس فقط والدها... هوّ نبضها الذي إذا توقّف توقّفت عن التنفّس... حاولت أن تطرد عنها هذه الأفكار السوداء... أدام اللّه صحّة والدها و أبقاه ملكا على عرش حياتها...

إقترب موعدها مع السيّدة " عليا " و إزداد توتّرها... دخلت غرفتها...وقفت أمام المرآة تتأمّل إنعكاس صورتها...لأوّل مرّة في حياتها تهتمّ بمظهرها إلى هذه الدرجة... كانت تكتفي، دوما، بأن يكون مظهرها لائقا.... فهيّ ليست من اللواتي لا تخلو حقائبهنّ من مساحيق التجميل...لطالما كانت ، و ستبقى ، من هوّاة البساطة حتّى في شكلها... هي تكره زخم الملابس الملوّنة و الإكسسوارات الفخمة... لذلك إختارت دوما ألوانا هادئة و إكسسوارت بسيطة التصميم...لكنّها اليوم تستغرب نفسها.. إذ تسكنها رغبة ملحّة بأن تبدو في قمّة الأناقة و الجمال...ربّما تريد أن تخفي توتّرها و خوفها من نتائج هذه المقابلة وراء إهتمامها المفرط بمظهرها...ببساطة ستحرص على أن تبدو متألّقة حتى تدّعم ثقتها في نفسها...

ما لبثت أختها أن لحقت بها كي تساعدها على إرتداء ملابسها فلم يتبقّ على الموعد سوى ساعة و نصف الساعة...وقفت " لمار " في الباب واضعة يدها على خصرها...راسمة على ثغرها إبتسامة شقيّة و قالت " ألهذه الدرجة تربكك رؤية أمّه ؟ إذا كان الأمر كذلك فلن أتزوّج أبدا " إرتفعت ضحكاتهما مرّة أخرى ثمّ إنهمكتا في إختيار الزيّ المناسب للقاء " لين " الأوّل بأمّ زوجها المستقبلي...أخيرا إستقرّ رأيهما على ملابس بسيطة تخلو من كلّ تكلّف و مبالغة كما الحال دوما... إرتدت بنطالا أسودا و قميصا صوفيا مرتفع الياقة بنفس اللون...فالطقس بارد و الشتاء قد أقبل عليهم بكلّ ما أوتي من قوّة...أكملت طلّتها بمعطف ترابي اللون و حذاء في نفس لونه...أسدلت شعرها الحريري الأسود الطويل على كتفيها و زيّنت وجهها بغبرة من الكحل في عينيها و حمرة فاتحة اللون على شفتيها... وضعت قرطين من اللؤلؤ الأسود... إلتقطت حقيبة يدها السوداء و توجّهت نحو الباب... ترنّحت قليلا و تردّدت في الخروج... إلتفتت إلى " لمار " فوجدتها منغمسة في إعادة ترتيب الخزانة... إبتسمت بتحفّظ و قالت " لمار... هل أبدو جميلة ؟ "... وضعت أختها ما كانت تحمله بين يديها من ملابس تروم إعادتها إلى مكانها في الخزانة و أجابتها " بالتأكيد...تبدين رائعة الجمال حبيبتي.. عليك أن تثقي  بنفسك...ماعهدتك مهتزّة الشخصيّة هكذا... عليك أن لا ترتبكي أمامها... في نهاية الأمر من تكون هي حتى يخبفك لقاؤها بهذا الشكل..." أومأت برأسها موافقة على كلام شقيقتها و همّت بالرحيل...

******

ركنت السيّارة في الموقف الملحق بالمركّب التجاري الذي سيتمّ فيه لقاؤها بوالدة "تيم"...دلفت إلى المقهى أين تقرّر الموعد...أجالت بصرها في المكان إلى أن أدركت مكانهما... " تيم " و أمّه يجلسان هناك... و أخيرا سترى السيّدة " عليا "... تقدّمت نحوها بكلّ ثبات يخفي وراءه رعشة تسري داخلها...هكذا هي " لين"... ماهرة جدّا في إخفاء إنفعالاتها و التّحكّم فيها مستعينة بقناع القوّة و الحزم و الجديّة...كانت تمشي مرفوعة الرأس... منتصبة القامة... حادّة النظرات و كأنّها تتحدّى نفسها و تؤنّبها على خشيتها هذا اللّقاء...إعترض " تيم" طريقها... وقف قبالتها و أمسك يديها بكلتا يديه و كأنّه يشدّ أزرها...تبادلا إبتسامة هادئة ثمّ واصل هو طريقه نحو مخرج المقهى و واصلت هيّ تقدّمها نحو طاولة السيّدة " عليا "...لقد بدت سيّدة في العقد الخامس من عمرها... يزيّن شعرها البنيّ خيط من الشيب يلفّها بشيء من الهيبة و الوقار... كانت ترتدي ثوبا أسودا طويلا و تضع على كتفيها شالا مخملياّ بنفس اللّون و تزيّن رقبتها قلادة ذهبيّة تقليديّة التصميم... ما إن إقتربت "لين" منها حتّى حرّكت نظّاراتها الطبيّة مبتسمة و قالت " مرحبا بك آنسة لين... و كأنّك تأخّرت على موعدنا بدقيتين ؟ "... قالت ذلك و هيّ تشير بسبّابتها إلى ساعة معصمها....يا له من إستقبال رائع... يا لها من بداية مبشّرة بالخير... كتمت أنفاسها لبعض الوقت قبل أن تطلق العنان لكلماتها " آسفة على الـتأخير ...سررت بمعرفتك  خالة " عليا "..."...مدّت يدها لمصافحتها فما إستقبلتها يد أخرى تبادلها المصافحة... لم تفعل السيّدة القابعة أمامها سوى أن أشارت لها برأسها أن تجلس... وجدت نفسها تجذب الكرسيّ و تجلس مطيعة أوامرها... هكذا إذن تنوي هذه السيّدة التعامل معها... رفعت رأسها عاليّا... تراجعت إلى الخلف...عدّلت جلست حتى تكون مرتاحة و كأنّها تستعدّ لمواجهة ألدّ أعدائها و أشرسهم...ثبّتت نظرها إلى الأمام... في إتّجاه عيني السيّدة " عليا " فوجدتها تنزع نظّاراتها و تضعها برفق على الطاولة...ضمّت مرفقيها إلى بعضهما البعض... إبتسمت في هدوء مخيف و خاطبتها مباشرة " أنا لست من أولائك الذين يتقنون النفاق الإجتماعي...لذلك فلتعلمي منذ البداية أنّني لا أحبّك... أجل لا أحبّك و ليس من الوارد أن أحبّك... لا يمكن أن أتقبّل المرأة التي تركت ولدي مغدورا... جريحا...وحيدا...فقط لأنّها تبحث عن راحة بالها... إذاكان إبني قد غفر لك ما فعلته به فأنا لن أفعل... و لتعلمي أيضا أننّي هنا فقط كي أرضيه... لا أعتبرك و لن أعتبرك جديرة بأن تشاركيه حياته...بالنسبة لي كانت رؤية، و ستظلّ ، زوجة إبني الوحيدة... هذا ما لديّ لأقوله...و الآن إسمحي لي بالإنصراف "...

بقيت " لين " مفتوحة الفاه من هول ما سمعته من المرأة التي من المفترض أن تكون بمثابة أمّ ثانيّة بالنسبة لها... تجمّدت حركتها و شلّ لسانها عن الكلام ... كان عليها أن تصدّق حدسها الذي أنبأها ، منذ البداية ، أنّ هذا اللّقاء سيكون سيّئا...كانت تحاول أن تخرج من حالة الصدمة التي إعترتها حين عادت السيّدة " عليا " أدراجها.. إقتربت منها و همست في أذنها " إيّاك أن تلعبي دور الفتاة البريئة التي وقعت ضحيّة غطرسة و جبروت الحماة الشريرة المتسلّطة... فإبني لن يصدّقك مهما قلت عنّي... فقط تذكّري أنّي أنا من منحته الحياة و أنا من ربيّته... تذكّري أنّه إذا خيّر بيننا سيختار أمّه دون شكّ"... ما عادت قادرة على إستيعاب ما يحدث ....إختفى الجميع من حولها و إختفى معهم صخب المكان و أصوات روّاد المقهى و حلّ مكانه صدى كلمات تلك المرأة... لماذا تصرّفت معها بأسلوب قاس و جارح ؟ لماذا حكمت عليها دون أن تجرّب حتّى الحديث معها...ماذا عساها تفعل ؟ هل تخبر " تيم " بما حصل أم عليها أن تغضّ الطرف عن ما سمعته منها ؟...ضغطت على ركبتيها بكلتا يديها حتى تضع حدّا لإرتعاشهما... فتحت ياقة معطفها فهيّ تكاد تختنق... تناولت كوب الماء... أخذت نفسا عميقا... و سرعان ما حسمت قرارها...لن تخبر " تيم " بما حدث بينها و بين والدته.... ستكون الأمور على ما يرام....ما إن تعرفها السيّدة " عليا " جيّدا حتى تغيّر رأيها  فيها... لن تسمح لسعادتها أن تكون ضحيّة العداء التاريخي بين زوجة الإبن و الحماة... ستقابل عدوانية أمّه برحابة صدر و نفس طويل للتحمّل...لابدّ أن تتغيّر الأمور مع الوقت.... لابدّ لها أن تتغيّر....


منال عبد الوهاب الأخضر


 لعنة الحب الأول #23