Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

لعنة الحب الأول #14

folie-amourManel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر
وصلا إلى الشانزيليزيه حيث توجد أفضل محلات الماكارون... تلك الحلوى الفرنسية ذات المذاق الذي لا يُقاوم سيجمع سحرها بينهما... ستكون أفضل ذكرياتها عن باريس معه... رغم ما آل إليه أمرهما من قطيعة...

تذوّقا عدّة نكهات من الماكارون و كانا يتلذّذان بها و كأنّهما رضيعان إكتشفا للتو طعم السكاكر... ها قد إحتفت بذكرى مولده بطريقة غير تقليدية... هذا هوّ بالذات ما يجعله في كلّ مرّة،  يهيم عشقا بها إلى الحدّ الذي لا يرى معه غيرها من النساء...

كانت تضحك و كأنّها ترقص فوق عروق قلبه... مازالت نقيّة السريرة... ساحرة الإبتسامة كما عهدها... تأمّل وجهها المستدير... بسماره اللاّمع المتألّق ألق الشمس وقت الضحى...

أمعن النظر في عينيها لوزيّتا الشكل المزدانتان برموشها السوداء الكثيفة فذاب في تفاصيل ملامحها العربيّة... لمح غبرة الكحل العربي في أهدابها... هناك في طرف جفنيها حكاية لا تروى... بل تُحسّ... حكاية هيامها بعروبتها و هيامه بها...

تذكّر أنّها لا تتزيّن إلاّ بالكحل العربي الذي تصنعه جدّتها... ربّما يبدو الأمر عابرا... بل أقلّ من العادي بالنسبة للآخرين لكنّه أمر جوهري ذا رمزية كبرى بالنسبة لكليهما... لطالما إقتنع بها شريكة حياة في مدى كون متناقض يحكمه صراع تاريخي بين الأنوثة و الرجولة... لطالما إعتبر أفكارها ندّا لأفكاره بل مكمّلة لها... لطالما أحبّ تمرّد حبّهما عن القالب التقليدي للحب في قاموس المجتمع العربي الشرقي حيث يقود الرجل العلاقة في ميل للغطرسة أبعد ما يكون عن الحب في مدلوله الحقيقي...

لطالما تقاسما أدقّ التفاصيل... لأنّه لا يرى فيها مجرّد أنثى تميل إليها الغريزة بل يرى فيها وطنا... ملاذا... ملجأ حين تشتد عواصف الحياة... يرى فيها أمّا لأطفاله و مدرستهم الأولى... ببساطة... يرى فيها الحب... أراد أن ينقذ نفسه من هذا العود التأمّلي الذاتي حتى لا يغوص أكثر في الماضي... سألها " إلى أين ستكون وجهتنا الآن سيدتي؟"  همهمت قليلا ثم ردّت على سؤاله قائلة " لا يمكن أن تزور باريس دون أن تتعرّف على برج إيفل... علينا أن نتنقّل مرّة أخرى عبر المترو... هيّا بنا..."

بداخلها زخم من المشاعر... يغمرها فرح بشيء ما... شيء طال بحثها عنه في أعماقها دون أن تدركه... هذا الشعور الذي يصطلح عليه البشر بإسم السعادة عاد ليزورها بعد غياب طويل و قطيعة مُضنيّة... كان ينظر إليها و يحاول أن يستوعب هذا السخاء و الكرم الذي فاجأه به القدر... لم يكن يحلم حتى أن يلتقيها مجدّدا و أن تكون رفيقته في يوم ميلاده.... وصلا إلى ساحة برج إيفل و قرّرا الصعود إلى طابقه الأوّل حيث يوجد متحف سمعي بصري تُعرض فيه قصّة تشييد البرج... لقد شاهدت هذا العرض آلاف المرات مذ أصبحت تقيم في باريس و لكنّها تستمتع به و كأنّها تشاهده للمرّة الأولى... فقط لأنّه برفقتها... هذا الرجل كامن داخلها... ترنو روحها إليه سواء إعترفت بذلك أو أنكرته...

أخذ يحدّثها عن المهندس إيفل - مشيد البرج- و عن تاريخ باريس مدينة الأنوار إلى أن وصلا الطابق الثاني حيث يوجد مكتب المهندس إيفل فطلب منها أن تلتقط له صورة... أخذت منه الهاتف و أوشكت على فتح الكاميرا حين فاجأتها صورة الخلفية... إنّها صورة طفل يبدو في الثانية من عمره... ترى من يكون هذا الصغير حتى يضع صورته خلفية لشاشة هاتفه؟  لم تزل تتساءل بعد حين فاجأها صوته و باغتتها إشارة إصبعه،  و هو يقف بجانبها،  إلى شاشة الهاتف و يقول" إنّه إبني..."... شعرت و كأنّ جبلا من الجليد سقط على رأسها... و راودتها رغبة في أن نسدّ أذنيها حتى لا تسمع المزيد... إبنه؟ يقولها بهذه البساطة؟!  ماذا يفعل رفقتها إذن؟  لماذا لم يحتفل بعيد ميلاده مع الصغير و أمّه؟...


منال عبد الوهاب الأخضر
 لعنة الحب الأول #14