Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149
لعنة الحب الأول #13
Manel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر
كاد باب المصعد أن يغلق حين دلف إلى الداخل و كأنّه آخر الناجين من معركة ضارية... أرادت أن تترك المصعد و لكن الأوان قد فات فقد أقلع إلى الطابق الذي تقيم فيه هند و صغيرها... لازال يمسك ببقايا سيجارته التي إعتاد أن يستنزفها إلى آخر رمق...
نظرت إلى أعقاب السيجارة التي تبدو خجولة بين يديه نظرة شفقة و كأنّها تواسيها بأن تصبر على جنون رجل يفوق عشقه للسيجارة عشقه للحياة... رجل يلّف نفسه بهالة الحضور الإستثنائي فيقودها تمرّده على المألوف و على قالب الرجل الشرقي إلى الجنون... حتى بعد الفراق...
تذكّرت أنّها " ميّتة" بالنسبة إليه و أنّه لا يحقّ لها حتى أن تتغزّل به بينها و بين نفسها... هل إحتفل بعيد مولده؟ تراه سيبدأ سنة جديدة من رحلته في هذا العالم رفقة إمراة أخرى؟ لكن لماذا تشغل نفسها بأموره الخاصّة؟ أما آن لها أن تتخلّص من عبء حبّها له؟ أما آن لها أن تقلع عن عادة الهُيام به؟ تغالبها رغبة مجنونة بأن تغامر و تهنّئه بذكرى ميلاده لكن ليس عليها أن تفعل ذلك...
كان يسترق النظر إليها و يتأمّل إنعكاس صورتها في مرايا جدران المصعد... كان يبدو كصقر جريح... على حافّة الموت... يتأمّل تساقط ريشه دون أن يملك ما ينقذه... مهما حاول أن يقنع نفسه بأنّ ما بينهما لم يعد موجودا يجد نفسه عاجزا عن ذلك... فكلّما أغمض عينيه وجد ملامحها تغزو خياله... يرى وجهها في أوجه كلّ النساء حتى اللواتي يعبرن أمامه في الطريق العام... لعلّ أكثر ما يؤلمه هو عمق الرابط الذي لازال يجمعهما...
فهوّ ليس بغريب عن عينيها و يدرك جيّدا أنّه يترك فيها ذات الأثر الذي تتركه فيه... لازال يجيد قراءة لغتها المنفردة و هوّ يعلم جيّدا أنّها مثله تماما... لازالت سجينة حبّهما الذي لم يكتمل... ربّما بسببها أو بسببه أو بسبب عنادهما و ربمّا أيضا بسبب الظروف.... كلّ ما يهمّه في الأمر أنّه يحترق شوقا إليها... يشتاق سمعه إلى تعابيرها الطفولية، إلى جنون ضحكتها و تمرّد أفكارها.... يشتاق إلى صوتها... إلى عينيها اللاّمعتين... إلى خصلات شعرها.... إلى أدقّ تفاصيلها.... يشتاق حتى إلى رائحة عطرها الذي لم يزل ساكنا... هنا... في ثنايا روحه التي لم يغادرها أبدا... حتى أنّ قلبه يخيّل له أنّه يشتمّ رائحة عطرها في كلّ مكان... يشتاق... بل يحتاج إلى أن يتأمّل، رفقتها، الشمس لحظة غروبها و هي تضع رأسها على كتفه و تكاد تذوب في آخر خيوط أشعّة الشمس... يحتاج أن تمسك يديه الخشنتين بأناملها الرقيقة و تخبره أنّها هنا و لن تتركه أبدا... يحتاج أنه لازال يقيم داخلها كما تفعل هي... يريد أن يترك عزّة نفسه و أنفتها جانبا و أن يعانقها.... بل أن يثمل بعناقها... يريد أن يمسك يدها و يسحبها إلى صدرها و يخبّئها. عن الكون بأسره... يريد أن يحدث كلّ هذا و لكن لا شيء منه سوف يحدث....
توقّف المصعد و توقّفت معه أمنياتهما و تراهات شوقهما الخفي لبعضهما البعض.... ماذا لو كان الزمن قد توقّف عند لحظات الوصال؟ لماذا كان الإنفصال قدرهمها؟ لمحها بطرف عينه و هي تضع يديها في جيوب سترتها و تهمّ بالرحيل... وجد يده تمتدّ إلى ذراعها تمسكه دون وعي أو سبق إصرار... أمسك ذراعها فجمدت في مكانها و لم تجرؤ على التقدّم خطوة واحدة... ماذا يريد منها؟ أحكم قبضته على ذراعها و كأنّه يخشى أن تُفلت منه مرّة أخرى... لم يكن قد إختار كلماته بعد حين إنطلق قلبه يتحدّث... إلتفتت في إرتباك و رمقته بنظرة جانبية و كأنّها تسأله أن يتركها... لكنّه لم يفعل... بل جذبها نحوه... لفّها قبالته حتى تتواجه نظراتهما... تأمّل عينيها فقابلته بنظرة نضج عميقة إهتزّ لها كيانه كما يهتزّ باطن الأرض أمام أقوى الزلازل... ترك ذراعها و لامس يدها... فتشابكت أصابعهما في حركة لا إرادية كانا قد إعتادا على إتيانها... لملم شتات روحه و خاطبها في هدوء أقرب إلى الصمت منه إلى الكلام " اليوم أُتِمّ عقدي الثالث... كما تعلمين... لا أريد أن أُمضي هذا اليوم بمفردي... هلاّ أمضيتي عيدي معي...
بعيدا عن كلّ الإعتبارات الأخرى... بعيدا عن غرور الأنثى خاصّتك و عناد الرجل الذي يسكُنني..." لم تكن قد خرجت بعد من طور الصدمة... يطلب منها أن تحتفل معه بذكرى مولده... يقول أنّه لازال وحيدا... مثلها تماما... وجدت نفسها في مأزق لا تُحسد عليه... إنّها الآن قابعة بين المطرقة و السندان... فهيّ تريد أن تنسى كلّ ما حدث و ما يحدث و أن تمضي معه لحظات تكفيها لما تبقّى من العمر و لكن عقلها يدقّ ناقوس الخطر و يذكّرها بأنّها تخاطر بجرح جديد و الحال أنّ كيانها لازال ينزف جرّاء الجرح الأوّل و حسبها الآن أن تشعر بشيء من الطمأنينة و السلام الداخلي... لا تزال أصابعهما متشابكة و لازال صامتا في إنتظار جوابها... قرّر عقلها أن يرفض لكن لسانها أبى إلاّ أن يتمرّد فلم ينطق بالرفض بل إستكان مختبئا في حلقها تاركا إهتزاز رأسها بالإيجاب يفصل القول بالموافقة... ماذا دهاها؟ مابالها؟ هل فقدت صوابها إلى الحدّ الذي لم تعد قادرة على التحكّم في لغة جسدها؟ إيتسم فرحا بموافقتها و كأنّه قد ظفِر لتوّه بما سيغيّر مجرى حياته تماما... إنتبها لوجود أُناس ينتظرون خروجهما من المصعد...
أسرعا بالخروج دون أن يترك يدها أو أن تفكّر هي في فكّ تشابك أصابعهما... إتّجها نحو غرفة الوليد الجديد و أمّه... دوّنت لين قائمة بما تحتاجه صديقتها و تكفّلت بإحضارها يوم غد... غادرا المستشفى دون أن يتبادلا الكلام... وجدت نفسها ترافقه و نشوة غريبة تسري في كلّ نفس من أنفاسها فتسعدها كما يسعد السقيم بدواء طال إنتظاره له... هبّت في روحها حماسة طفولية و رفعت نظرها نحوه قائلة " هل تحبّ تناول الماكارون ( حلويات فرنسية) ؟ إبتسم ملئ شدقيه و كأنّه مُغترب عاد حديثا من منفاه إلى وطنه... ثبت نظره على عينيها و قال" سنذهب حيث تريدين و سنفعل ما تودّين... أنا قيد تصرّفك اليوم.... فلنكن خارج الزمان و المكان... في حلّ من أسر الماضي و المستقبل... فلنعش اللحظة فحسب... " كم تحبّ فلسفته في الحياة و كم تتمنّى أن يتوقّف الزمن في هذه اللحظة المجنونة التي حرّرتهما من ألم الفقد و شبح الماضي... ستمضي معه و لن تسمح لعقلها أن يفسد سحر التمرّد الذي إختارته عنوانا لروحها في هذا اليوم... ستمضي معه و ليكن ما سيكون....
Website Design Brisbane