Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

لعنة الحب الأول #9

rencontre-exManel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر

ردّ تحيّتها بحماس مصطنع يخفي في ثناياه إرتباك عاشق يخشى تبعات عشقه... لامست عيناها جوارحه فسرت رعشة رعناء في جسده و تسارع نبضه... و كأنّه بلقائهما الأوّل يعيد نفسه... تقابلا قبل ثلاث سنوات في حفل للموسيقى الملتزمة...

يذكر جيّدا تفاصيل ذلك اللّقاء و يتذكّر جيّدا أنّه قد أعلن عليها الحب في ذلك اليوم... يحفظ ملامحها عن ظهر قلب كما تحفظ ذاكرة الرضيع ملامح الأم و رائحتها و كأنّها تحافظ على ميثاق الحب الذي أقامه الحبل السري بينهما... يتخبّط في هواها كما يتخبّط الجنين في أحشاء أمّه...يشتاقها كما يشتاق الصباح الباكر لقطر الندى...

يحتاجها كما يحتاج الكون إلى إستعادة صفائه المنشود... لكنّه لن يتنازل عن كرامته و لن يهدرها... لن يعيش حبّه على حساب أنفته و عزّة نفسه... إذا كان عليه أن يقتل هذا الحب فليفعل... باغتها بسؤال ذكي يستبطن شيئا من الغيرة التي عهدتها خصلة من خصاله فأحبّتها كما كلّ تفاصيله... "ماذا تفعلين هنا؟ لقد عهدتك كائنا بيتوتيا... كنت تفضّلين قضاء أوقات فراغك في البيت صحبة العائلة أو صحبة قهوة، كتاب و موسيقى..." ماذا يقصد بهذا السؤال؟ هل يريد أن تدرك أنّها أضحت غريبة بالنسبة له؟ رفعت بصرها و نظرت مباشرة في عينيه... و كأنّها تعلن لحظة تمرّد غاضب، و كأنّها تقطع الهدنة و تشنّ الحرب... إستحضرت حسّها الساخر حتى تستفزّه و قالت " أجل، أنا كائن يتغيّر بتغيّر الظروف و الإمكانيات و حتى الأشخاص... أتعلم؟ هناك أشخاص يزورون حياتنا فيجعلونها قاتمة مملّة و هناك آخرون يضفون على وجودنا معنى... يمنحون حياتنا ديناميكية و حيويّة... هذا ما حدث معي... لذلك تغيّرت..." خاطبت كلماتها سمعه... بل نخرته كما تنخر الرصاصة صدر القتيل... هذه الرسالة المشفّرة قد وصلت إليه بوضوح...

لطالما أجاد فكّ رموز كلامها الملغّم... تريده أن يفهم أنّها ليست وحيدة و أنّها تجاوزته منذ ذلك اليوم الذي تركته فيه... ذلك اليوم الذي كان سيعرض فيه أن يتوّجا حبّهما بالزواج... ألا يكفيها أنّها جرحته كما لم يفعل أيّ شخص آخر؟ ألا يكفي أنّها ظلّت محفورة في قلبه و أنّه لازال عالقا في ذكرياته معها؟!! ألا يكفيها ما فعلته به؟! ألا ترى في ما جمعهما من ما ماض ما يستحق الذكر و الإحترام حتى و إن كان مصير قصّتهما الإندثار؟..... كانت تقف قبالته واجمة كتلميذ ينتظر عقابه معلّمه متوقّعا الأسوء.... بدأت بترقعة أصابعها في حركة متوتّرة و كأنّها تحثّه على شنّ هجومه سريعا... فلم تعد قادرة على الإنتظار... بل لم تعد تقوى على الوقوف أمامه دون أن ترتمي في حضنه متناسية الماضي والحاضر والمستقبل... تناول سيجارته و الولاّعة... أشعل السيجارة فنفذت رائحتها المختلطة بأنفاسه إلى عروقها و حلّت محلّ الدماء... أعاد الولاّعة إلى جيب سترته الأنيقة و رسم على وجهه إبتسامة مهتزّة و قال" جيّد أن نغيّر من أنفسنا على أن لا يؤذينا هذا التغيير فأهمّ شخص في حياتك هوّ أنت... إعتني بنفسك... وداعا... " ما هذا الذي سمعته للتو؟ لقد فاق هجومه كلّ توقّعاتها... هل يعيب عليها أنّها تغيّرت كما تدّعي أمامه؟ و ماذا عنه؟ ألم يجازف بحبّهما و رفض حتّى أن يطالبها بالبقاء في حياته؟! لو طلب منها في ذلك اليوم أن تبقى لبقيت، لتنازلت عن كلّ آمالها و طموحاتها و عن رغبتها في حياة بسيطة و هادئة... لكانت خاضت معه مغامرة الحياة إلى ما لا نهاية.... لكنّه إختار الصمت....

إختار أن ينسحب دون أن ينبس ببنت شفة لأنّه يعلم جيّدا أن الصمت أحيانا أبلغ من كلّ لغات العالم... ها قد غادر بعد أن غرس سكينا أخرى في قلبها على حين غرة... ها قد إنصرف تاركا أثره فيها كما كان دوما يفعل و سيظل... تراه يدرك أن غيابه موت و أن حضوره موتان؟ تراه يدرك يدرك أن وراء شراستها هذه قلب هشّ في حاجة إلى إسترجاع الحياة الضائعة منه؟ لطالما سخرت من صديقاتها أيام الدراسة الجامعية حين كنّ ينهرن لإنفصالهنّ عمن يحببن... لطالما نعتتهنّ بالضعف و العبودية، بالجبن و الإنهزامية.... و لكن، أليست الآن مثلهنّ؟

لقد أحبّته لأنّه كان مصدر لقوّتها و لكنّه إستحال إلى ثغرة يصعب إخفاؤها في حياتها... همّت بمغادرة المكان و لكنّها تراجعت... لن تحنث بالوعد الذي قطعته على نفسها هذا الصباح... لن تسمح للألم بأن يسيطر عليها... لن تسمح له أن يأسرها من جديد... ستصنع من الضعف قوة... هكذا كانت و هكذا ستظل... عادت إلى الحشد الملتفّ حول عازف الڨيتار و حاولت أن تتماهى مع الموسيقى إلى ما لا نهاية... تخمّرت في ذهنها فكرة تعلّم الرقص و الرقص الهندي تحديدا... لقد كانت دائماً معجبة بالحضارة الهندية بمختلف تمفصلاتها... لقد أهداها والدها يوم نجاحها في إجتياز إمتحان الباكالوريا بإمتياز كتابا حول الفلسفة الهندية... قرأته بعناية كمحاكاة لعناية والدها بها... آه والدها... كم تشتاقه و كم تحتاجه... هوّ رجل حياتها بإمتياز.... ذاك الرجل الذي حفّز فيها روح التحدّي و آمن بها و علّمها أن تثق بنفسها من أجل نفسها و أن تحيا كما تريد لا كما يريد لها الآخرون...ذاك الأب الذي تتجاوز علاقتها به مجرّد الإشتراك في نفس المدوّنة البيولوجية و ذات المورّثات الجينيّة... فهي تتشارك و إيّاه نفس الروح... تشابههما يتجاوز تطابق الملامح فوالدها ساكن في كلّ حركاتها، كلماتها، أسلوب حياتها و طريقة تفكيرها... والدها حاضر في أعماقها حضور الشمس في النهار... تضعه نصب عينيها في كلّ موقف تواجهه... تعود إليه بالنصيحة فهوّ قادر على قراءة لغتها المنفردة... يفهمها قبل حتى أن تتكلّم... والدها ليس مجرّد رجل يعود نسبها إليه... بل هوّ هويّتها... إنّه الرجل الذي منحها الحياة و أضفى على وجودها معنى...

علّمها أن تكون ذاتها و أن لا تشبه الأخريات... رسّخ فيها مبدأ الدفاع عمّا تريد.... أكسبها حبّه، و لازال، مناعة رفيعة المستوى تجعلها قادرة على تحويل الرماد إلى نار، يكفيها فخرا أنّها إبنته، تنبثق منه و تعود إليه... كادت تقهقه ضحكا حين تذكرت أنّ كلّ من عرفها وسم حبّها و تعلّقها بأبيها بأنّه وليد ما يسمّى في علم النفس عقدة إلكترا... تلك العقدة التي يفسّر بها فرويد تعلّق الفتاة الشديد بوالدها نسبة إلى أسطورة إلكترا إبنة الملك أوديب... إنتهت الموسيقى و إنتهت معها محادثها لذاتها... تركت الحشد بعد أن وضعت بعض النقود في قبّعة عازف الڨيتار و مضت إلى الشارع المقابل للساحة و هي تشعر أنّ هناك عوالم مختبئة في هذا العالم البليد عليها أن تسارع بإكتشافها... مرّت بجانب متجر لبيع التحف القديمة التي تستخدم في تزويق البيوت و تزيينها.... دفعت الباب الزجاجي و دلفت إلى الداخل.... ستنظر في ما يعرض في هذا المحلّ ربّما يروقها شيء ما فتشتريه... وقع بصرها على شيء بدى جميلا و لكنّه غريب نوعا ما.... بدى في شكل دائرة مغطاة بقماش مخملي بنفسجي اللّون تتفرّع منها خيوط طويلة مزيّنة بحبيبات مرجانية تأخذ نهايتها شكل الريشة... إقتربت منها البائعة عارضة عليها المساعدة... إبتسمت و سألتها عن هذا الشيء فأجابتها البائعة " يسمّى هذا الشيء_ لاقطة الأحلام_ و هوّ يعود إلى تقاليد بعض شعوب شرق آسيا... يضعونه على الباب الخارجي لمنازلهم تبرّكا به و إعتقادا منهم في قدرته على إلتقاط الأحلام و حفظها من العراقيل بل و المساعدة على تحقّقها..." لاقطة الأحلام... يروقها الإسم و تروقها رمزيته... نظرت إليه بحماس و طلبت من البائعة أن تمكّنها منه لأنّها ستبتاعه... خرجت من المتجر و هيّ مبتهجة متفائلة.... هل تصحّ أسطورة لاقطة الأحلام ؟ ضحكت من نفسها بتحفّظ و واصلت طريقها و هي ّ تنوي الإستمتاع بيومها حدّ الثمالة... قاطعها رنين هاتفها و تفاجأت بالمتّصل.... أمّها تتّصل بها في مثل هذا الوقت من اليوم! أيمكن أن يحدث ما يدور في خلدها؟ هل أتت أمّها لزيارتها دون أن تعلمها؟....




منال عبد الوهاب الأخضر
 لعنة الحب الأول #9