Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149
لعنة الحب الأول #25
Manel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر
تراجعت إلى الوراء...تنظر جاحظة العينين إلى والدها محاولة أن تستصيغ كلامه و أن تستوعب وقع ما قاله عليها... إنثنت على ركبتيها و هيّ تضمّ وجهه بكفّيها و قالت " أبي...ألا ترى أنّ الوقت ليس مناسبا للحديث عن خطبتي.. كلّ ما يهمّ الآن هوّ صحّتك...أرجوك لنؤجّل الحديث في هذا الخصوص إلى ما بعد إجرائك العمليّة بسلام "...قبّل كفّ يدها بحنوّ و ردّ عليها " أودّ أن أطمئنّ عليك يا إبنتي...إغفري لي قلقي بشأنك...لطالما كنت، و ستبقين ، مميّزة في قلبي يا قرّة عيني...كلّ ما أتمنّاه هوّ رؤيتك سعيدة...أن أرى البسمة ترسم مجدّدا على ثغرك...لنحتفل بإرتباطك بتيم قبل موعد العمليّة حتى أكون هنيّ الفؤاد و مرتاح البال"...وضعت رأسها على صدره و أخذت تتنشّق رائحته العطرة النديّة و تحبس دمعها الذي يكاد ينفجر بمجرّد أن تطيل التفكير في وضعه الصحيّ المعقّد....
لم تستطع النوم و هيّ تتقلّب يمنة و يسرة في سريرها...تعجز عن إغماض جفنيها....تقلقها هواجس أخطرها و أشدّها إيذاء هو خوفها على والدها...حتى أنّها لم تعر أمر السيّدة " عليا " أهميّة...نزعت عنها الغطاء الذي كان يخنقها ...فهيّ تشعر بالحرارة رغم أنّ الطقس بارد...فتحت الباب الخلفي لغرفتها...وقفت تتأمّل الحديقة التي يحكي كلّ ركن من أركانها عن عمق الرابط الوجودي بينها و بين أبيها... لفّت نفسها بشال صوفي و خرجت إلى الحديقة تبحث عن ملجئ بين النجوم التي لم تمنعها السماء الملبّدة بالغيوم من أن تضيء... تراءت لها نجمة تطلّ بخجل من بين الغيوم...ضحكت دون أن تشعر...و بعثت في نفسها هذه الصورة، و إن كانت مجازا، شيئا من الأمل...ربّما ينتظرها خير بعد هذه الأزمة... كانت تجول ببصرها بين السماء و النجوم حين قاطعتها أختها...كان القلق جليّا على محيّاها...بدت تائهة...تضع أطراف أناملها في فمها حتى تمنع صوت بكائها من الإنطلاق...تبحث عن كلمات تصف ضياعها و خوفها على أهمّ شخص في حياتها...والدها...نظرت إلى "لين" و كأنّها تطلب منها المساعدة...لم تنبس الأختين ببنت شفة لكن عيونهما قالت كل ما يجدر قوله...تلك العيون التي تتشارك نفس الهواجس و المخاوف...إرتمت " لمار " في حضن أختها الكبرى التي لفّتها بذراعيها و قبّلت رأسها هامسة " ستمرّ، غيمة سوداء حلّت على حياتنا و ستمرّ يا صغيرتي...ستمرّ بإذن اللّه"...
************ّ
حلّ الصباح من جديد...صباح مثير للجدل....إنّه صباح اليوم الذي سيعلن فيه إرتباط " لين " و "تيم " ... و هوّ كذلك اليوم الذي ستعلن فيه نتيجة إختبار تطابق الأنسجة و ستقرّر موعد عمليّة والدها... لم تبدو " لين " مرتاحة البتّة...هي قلقة بسبب علاقتها بتيم التي تعاني توتّرا رغم أنّها تتّخذ نهجا جديدا ... لقد خذلتها ردّة فعله حين علم بأنّها ستجري جملة من التحاليل و أنّها ستهب والدها كليتها إذا تتطابقت أنسجتهما...لم يبدي مساندته لها... لم تلحظ في عينيه ما كانت تنتظر رؤيته...و كأنّها بنفسها أمام رجل غريب عنها... تشعر و كأنّها سترتكب حماقة بإرتباطها به...رغم ذلك تعجز عن التراجع خاصّة من أجل إرضاء والدها ... فهوّ في أمسّ الحاجة إلى أبسط مشاعر السعادة و الطمأنينة... و إن كانت مصطنعة... كلّ هذه التفاصيل تقلقها إلى جانب موقف السيّدة " عليا " السلبي منها...ناهيك عن وضع والدها الصحّي الذي لن تحلّه سوى العمليّة إذا تمّت بنجاح...إنتهت من إعداد نفسها لإستقبال " تيم" ووالدته... إرتدت فستانا من إختيار والدها... دافئ التصميم...راقيا كما روحه الإستثنائية....كان فستانها خمري اللون منسوجا من صوف الكشمير ذا ياقة دائريّة مطرّزة تطريزا بسيطا و كان طوله يمتدّ إلى ما فوق ركبتيها... لم تتكلّف كثيرا في التبرّج كما هوّالحال دائما....و ربّما كذلك لأنّها لا تشعر بما يجدر بإمرأة أن تشعر به في يوم إعلان إرتباطها بحبيبها...يبدو الجو العام لهذا اليوم خانقا...و كأنّ بعض الأقنعة سوف تسقط و ينتهي بها الأمر في وضعيّة مالفة لما تنتظرها... هذا ما يخبرها به حدسها...ذاك الحدس الذي لطالما صدق....
نظرت إلى المرآة و أخذت نفسا عميقا و كأنّها تستعيد ذاتها و تنفض عنها غبار الحوارات الباطنيّة...رنّ هاتفها و كان المتّصل طبيب والدها الخاص...من المؤكّد أنّه يتصّل كي يعلمها بنتائج إختبار تطابق الأنسجة...رفعت السماعة و جاءتها الإجابة الشافيّة... ها قد شاء القدر أن تتطابق أنسجتها ووالدها كما تتطابق أرواحهما...ها قد منيت شرف منح والدها فرصة جديدة للحياة...ستهب والدها كليتها و ستهب نفسها نفسا جديدا للحياة...حياتها التي لا تستقيم دون إكسيرها...والدها الرائع...الغالي...نور العين و مهجة الروح...
تركت طاولة التسريحة دون حتى أن تكمل إرتداء أقراطها و خرجت مسرعة تبثّ الخبر إلى أفراد عائلتها...ما إن سمع والدها أنّها من سمنحه كليتها حتى إغرورقت عيناه بالدموع...حاول أن يوقف دمعه واضعا سبابته و إبهامه على طرفي عينيه ...دون أن ينزع عنه نظاراته الطبيّة التي كان يحمي بها نفسه من شطحات إنفعالاته....جلست جانبه تقبّل يديه و تمرّر ظاهر كفّه على خدّها مردّدة " أحبّك يا أبي...يا أنا ....أحبّك أكثر من حياتي "....
***********
وصل " تيم " ووالدته و الصغير " باسل " إلى منزل عائلة إبراهيم....ركن السيارة أمام الباب و ترجلّ عنها في إنتظار إلتحاق السيدة " عليا " و حفيدها به... وقف أمام البوابة الخارجية يتأمّل قطعة الرخام التي نقش عليها بالخط العربي الأصيل " منزل آل إبراهيم "... إبتسم و كأنّه قد تعرّف على أوّل أفراد عائلة زوجته المستقبليّة...قاطعت أمّه تأمّلاته بقولها " لا تطل النظر إلى خارج البيت فما خفي وراء البهرج و البناء المنمّق كان أعظم" .....
Website Design Brisbane