Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

لعنة الحب الأول #26

nightmare-loveManel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر

فتحت عينيها بصعوبة فوجدت نفسها في غرقة عالية السّقف... أجالت بصرها بصعوبة في المكان فأدركت أنّها محاطة بالآلات الطبيّة...نظرت إلى يمينها فوجدت أنّها ليست وحيدة...يرقد بجانبها والدها... بدأت تستوعب شيئا فشيئا...ها قد أجريت عمليّة نقل كليتها إليه...


دغدغت ذاكرتها فعادت إلى ذاك اليوم الذي كان مقرّرا لإعلان إرتباطها رسميّا بحبيبها الذي خالته حبا لا يذبل و نورا لا يأفل...توقفّ بها شريط إستعادة الأحداث في اللّحظة التي كانت تقف فيه وراء البوابة الخارجيّة لمنزل عائلتها...

تحملها لهفة للقائه و مشاركته فرحتها بتوافق أنسجتها مع أنسجة والدها...كانت تعلّق بعض الآمال على ما تبقّى من صورته الناصعة في خيالها حين سمعت الحوار الذي كان يدور بينه و بين والدته...تلك المرأة المتسلّطة التي لم تخف إمتعاضها من " لين " و لم تكلّف نفسها حتى عناء معرفتها عن قرب...


كانت أمّه  تتذمّر...و كأنّه قد قادها غصبا إلى موعدهما مع عائلتها...سمعت ما قالته السيّدة " عليا " فعدلت عن فتح الباب حتى تسمع ردّ " تيم " ...و هاهنا بالذات كانت الصدمة...ما كان من ذاك الذي ظنّته جديرا بحبّها و ندّا لأن تشاركه حياتها أن قال " أمّي...يكفي أرجوك..لقد تحدّثنا بهذا الشأن سابقا...

أخبرتك مرارا و تكرارا أنّي من أحتاجها و ليست هيّ من تحتاجني ... أنا من يبحث عن أمّ لإبنه"...لم يذكر أنّه يحبّها...لم يدافع عن ما يربط بينهما من مشاعر صوّر لها غباؤها أنّها فوق مستوى الشبهات... لملمت شتات نفسها و إستقبلتهما محاولة أن تتصرّف بلطف و أن تتمالك أعصابها مراعاة لحالة والدها الصحيّة...كانت مستعدّة لتتغاضى عن ما سمعته منه من كلام يؤذيها بطريقة أو بأخرى...ضاق نفسها بمجرّد أن تذكّرت الخيبة التي حملها لها ذاك اليوم...ضغطت على زرّ النداء فسارعت إليها الممرّضة تتفقّد جهاز التنفّس الإصطناعي ...عاد تنفّسها ينتظم و عادت الذاكرة إلى المكان الذي توقّفت فيه...أغمضت عينيها بقوّة و كأنّها تمنع شريط الأحداث من السيلان أمام ناظريها و كأنّها بقيت أسيرة ذاك اليوم الملعون...إسترجعت ذاك الصراع الذي خاضته حتى تتمكّن من السيطرة على رغبتها في أن تصرخ في وجهه و وجه أمّه و أن تطردهما من البيت...حين كانت تستعدّ لهذا اليوم لم تشعر بالفرحة التي كان من المفترض أن تزور إمرأة تقترن بحبيبها بعد إنفصال  فاق الثلاث سنوات...و لكنّها لم تتخيّل أنّها سوف تخذل بهذا الشكل...كانت تنظر إليه ،و هوّ يتحدّث بلباقة السفسطائي و دهاء المناور مع والدها، شقيقها و عمّها معبّرا عن حبّه الكبير لها، و كأنّها تراه للمرّة الأولى..بل أكثر من ذلك...و كأنّها تراه أخيرا...كما هوّ... على حقيقته...رجل شرقي أنانيّ بطبعه...

كانت ترتعش غضبا و ألما و قهرا و كان لابدّ لها أن تفصل القول في شأن هذا الرجل الذي إكتشفت ، فجأة و في الوقت الذي كان من المفترض أقرب الناس إليها، أنّه غريب تماما عنها... قرّرت أن تجازف بكلّ شيء... فإمّا أن يصدق حدسها و يثبت لها أنّ " تيم " هوّ أكبر كذبة في حياتها أو أن تؤول شكوكها إلى زوال... وضعت فنجان القهوة الذي كانت تترشّفه برفق على طرف مقعدها...شبكت يديها في بعضهما البعض و خاطبته بعين ثاقبة حتى تفحص كلّ حركة من حركاته و تقيّم كلّ كلمة من كلماته بعد أن يسمع ما ستقوله " تيم لقد نسيت أن أخبرك بأنّنا علمنا اليوم أنّ أنسجتي تتوافق مع أنسجة أبي "... أخذت تمعن النظر في ملامح وجهه و ما تخفيه من إنفعالات عنوانها الإنزعاج...ماذا تراه كان يتوقّع؟ أن لا تجري التحاليل مثلا ؟ أن تنسحب من جانب والدها في محنته و أن تجعل نفسها أمّا لوليده من إمرأة أخرى؟.... بدا الإضطراب جليّا عليه... إضطراب جعله يتأخّر في ردّه عليها و يتململ في مكانه... يتلفّت يمنة و يسرة باحثا عن أمّه علّها تسعفه بردّ مناسب بعد أن حشرته " لين " في الزاوية... إبتلع ريقه بصعوبة و قال " جيّد... أتمنّى أن تتمّ الأمورعلى خير ما يرام... تمنيّاتي لك بالشفاء العاجل سيّد آدم "... إلتفت إلى الناحيّة التي تجلس فيها أمّه و كأنّه يستطلع رأيها في الأمر...ألهذه الدرجة كان الفخّ متقن الحياكة حتى تقع فيه إمرأة مثلها، إمرأة كانت تدّعي الذكاء إلى حدّ اللحظة التي إكتشفت فيها أنّ بها لعنة على هيئة إنسان...لعنة تسمّى " تيم " ...

قطعت أمّه حبل الصمت حين دعته إلى مكالمتها على إنفراد...كان وجه المرأة مكفهّرا لا يدلّ ، إذا ما دلّ على شيء، سوى على بركان من الغضب يغلي داخلها...لقد توقّعت "لين " ردّة فعل كهذه من إمرأة فرضت عليها عداوة قهرية...و لكن يبدو أنّ كلّ ما يحدث و ما حدث سابقا لا يعدو أن يكون إشارات سماوية...رسائل ربّانية تخبرها بأنّها على وشك أن تقع في جبّ تحفره لنفسها بنفسها... ذهب ووالدته إلى الرّدهة الخارجيّة ...كان يمشي وراءها و كأنّه طفل صغير لا يستطيع التحرّك دونها...تحجّجت بإحضار هاتفها من الغرفة و لحقت بهما... إختارت زاوية خفيّة عن ناظريهما و بقيت في إنتظار ما ستسفر عنه هذه المحادثة السريّة... كم  تكره التنصّت على الآخرين...عادة غير محمودة ما توقعت أبدا أنّها ستضطرّ إلى إتيانها...وقفت السيّدة " عليا " برفعتها المعتادة ... بتكبّرها المستفز... أمسكت رسغها الأيسر بيمناها و قالت و هي تواجه إبنها بنظرات غاضبة حادّة " أ هذه هي ّ الأمّ التي ستؤمّنها لإبنك؟ إمرأة بكلية واحدة... صحّتها هشّة....مهدّدة في أيّ لحظة  بالإنهيار...حتّى أنّها لم تكلّف نفسها عناء مشاركتك قرارها بمنح والدها كلية... أتدرك ماذا يعني ذلك يا إبني المغفّل؟...هذا يعني أنّ عائلتها هيّ الأولويّة الأولى في حياتها...كيف لك أن تتزوّج بهذه الفتاة ؟ هيّا تكلّم... أخبرني أنّك ستعدل عن قرارك الأحمق...أرحني يا بني " .... لأوّل مرّة ترى " تيم " مهتزّا هكذا... يبدو عاجزا عن إتّخاذ موقف بل حتّى عن الكلام... ألهذا الحدّ يضعف حضوره في حضرة أمّه؟ ألا يحبّها بالقدر الذي يدفعه للدفاع عنها؟ ألهذه الدرجة تبلغ أنانيته...هل ينكر عليها حقّها في مساعدة والدها ؟ من يكون هوّ حتى تستشيره في أمر كهذا؟

مرّرت كفيّها على وجهها... و كأنّها تدعو نفسها إلى الخروج من حالة الذهول التي أصابتها.... تقدّمت خطوة واحدة نحوهما و هي تنوي أن تهدّ المعبد عليها و عليهما إلى أن إستوقفها صوته المرتعش و هوّ يقول " أمّي...أرجوك ... كفاك ضغطا علي...تعلمين أنّني أحتاج لين و لكنّي أحبّها أيضا...سأتكلّم معها بشأن منحها الكلية لوالدها...سأجعلها تقتنع بأنّ أحد أخويها يمكنه أن يحلّ محلّها أو فل ينتظر والدها أن يمنحه بنك الأعضاء كلية مناسبة... أرجوك أمّي لا تفسدي الأمر "...كان ما سمعته على لسانه القشّة التي قسمت ظهر البعير...ما عادت قادرة على تمالك أعصابها... تقدّمت نحوهما بكلّ ثبات و ثقة  بالنفس... ضربت كفيّها في بعضهما البعض...و كأنّها تصفقّ تعبيرا عن أعجابها بما سمعته...وصلت إليهما و توقّفت قيد شبرين من السيّدة " عليا " ... عقدت ذراعيها و قالت " برافو سيّدتي...فعلا إنّك داهيّة...فقط أودّ أن أصحّح لك معلومة واحدة...قبل قليل أخبرت إبنك المصون بأنّه مغفّل فقط لأنّه يخطّط للزواج بي ...أنت مخطئة سيّدتي... أنا المغفّلة لأنّي أقحمت نفسي في علاقة كان من المقدّر لها الفشل أساسا... و أنت... يا من دعوتك حبيبي و تمنيّتك شريك حياتي و كلّ أوقاتي...حلمت بك تشاطرني ألمي قبل فرحي... بماذا كنت ستقنعني إذن ؟ بأن أتخلّى عن والدي من أجلك و من أجل إبنك ؟ إبنك الذي أحببته من كلّ قلبي و كنت سأمنحه كلّ ما يحمله خاطري من حنان نابع من غريزة الأمومة...و لكنّك خذلتني كعادتك يا هذا... يسعدني أن أعلمك أنّه لم يعد لك مكان... لا في حياتي و لا في بيت والدي الذي تتمنّى له أن يعاني في إنتظار كلية مناسبة يمنحه إيّاها بنك الأعضاء و الحال أنّ إبنته حيّة ترزق و قادرة على منحه فرصة جديدة للحياة...كم أنت تافه و غبيّ...وصولي أناني  لا يكمن أن ترتقي إلى صفة رجل " .... تذكر جيّدا أنّها قالت ما قالته و عادت أدراجها نحو قاعة الجلوس أين ينتظرها أفراد عائلتها...وقع نظرها على عمّها ... خاطبته بحرقة تشدّ حلقها و لوعة تشدّ كيانها شدّا و دمع يخنق عينيها ..." عمّي...أطلب من تيم و أمّه أن يرحلا...لست موافقة على الزواج منه...و أرجوكم لا أريد أيّة أسئلة...قراري نهائي و لا رجعة فيه " ...

كان الجميع في دهشة من أمره...كيف لذاك الحبّ الكبير الذي تجاوز كلّ العقبات...حتّى الإنفصال لسنوات أن ينتهي في اليوم الذي كان من المفترض أن يبدأ فيه من جديد ؟ ما الذي جعل " لين " تتخّذ قرارا مماثلا ؟.... دخل الطبيب إلى الغرفة و قطع شريط ذكرياتها التي آلمتها حدّ النخاع...ذبحتها من الوريد...إقرب منها الطبيب و طمأنها على نجاح العمليّة... أخبرها بأنّها ووالدها بخير و أنّهما قد تجاوزا المدّة المقرّرة لبقائهما في غرفة الإنعاش بسلام ... أعلمها أنّ حياتها لن تكون سهلة من الآن فصاعدا...إذ عليها أن تتّيع نظاما غذائيّا معيّنا و أنّ هناك بعض الأدويّة التي سترافقها لما تبقّى من حياتها... أومأت له برأسه معلنة أنّها تفهم ما قاله و أنّها، منذ البداية ، كانت مدركة لما ينتظرها بعد منحها الكلية لوالدها...كان قلبها الجريح ممزّقا من هول صدمتها في الرجل الذي كادت تشاركه حياتها...ذاك الرجل الذي لم يحاول حتّى إسترجاعها.... بأمر من والدته طبعا...و لكنّها كانت مطمئّنة....سعيدة نوعا لأنّ صحّة والدها تتحسّن...مادام والدها بخير فسوف تكون بخير...هذه التّجربة الوجوديّة التي عاشتها أنّ هناك بعض الخسارات التي نعيشها كي ندرك قيمة ما نملك...و أنّ هناك بعض الخيانات التي تجعلنا نصبح أكثر وفاء لأنفسنا....هذا هوّ بالذات ما إستخلصته من عودتها لعلاقتها بتيم و إنفصالها النهائي عنه...هذا ما تعلّمته من محنة مرض والدها...أنّنا نبذل كلّ شيء من أجل أوطاننا التي نحتمي بها منذ نعومة أظافرنا في إنتظار أن يمنحنا القدر شرف حمايتها... ووالدها كان و سيبقى وطنها الكامن في أنفاسها .... حسبها أن يكون بخير حتى تكون كذلك....

سمعت صوته يتناهى إلى مسامعها عبر موجات الراديو بعد مرور أكثر من  ستّة أشهر... ظنّت أنّها ستبكي عند سماعها لتلك النبرة التي كانت تجتاح كيانها و ترديها قتيلة... أجل.. قتيلة الحب ...ذاك الحب الذّي خالت أنّه لن ينتهي... و لكنّها تدرك اليوم أنّ حبّها له قد مضى و ولىّ.... أصبح مجرّد ذكريات....بل أضغاث ذكريات.....فقد اختفت تلك القشعريرة التي كانت تسري في عروقها كلّما كانت تسمع صوته أو حتى تلمح ظلّه....لقد ظنّت للحظة أنّها ستعيش ليلة قاسية من الحنين إلى الذكريات... إلى الحب الذي كانت تعتقد أنّه لن يغادر قلبها.... و ها هو قد غادر قلبها و وجدانها إلى الأبد.... الحب الذي ظنّته أبديا قد زال و انتهى الأمر... تشعر بالحيرة فعلا.... هل عليها أن تسعد أم أن تحزن؟؟ ههههههه إنّها سخرية القدر.... ها قد حققت هدفا طالما وضعته نصب عينيها " أن تنساه " و لكنّها لم تدرك بعد كنه هذا الإحساس الذي يراودها هل هوّ حزن أم سعادة ؟؟ حاولت أن لا تفكّر كثيرا في هذا الإرتباك الذي سكنها و أبى أن يغادرها.... فلتكتفي بماهوّ إيجابي...لقد نسيته و هذا في حدّ ذاته إنجاز كانت في أمس الحاجة إليه... وجدت نفسها تذهب تلقائيا إلى أحد ملفات حاسوبها كي تستمع إل محمود درويش و هوّ يلقي رائعته " هو الحب... كذبتنا الصادقة " تشعر و كأنّها خفيفة الروح....و كأنّها بنفسها قد تخلّصت من حمل ثقيل جدّا...ذاك الذي يسمّى " ظلّ الحب الأوّل " ... هي الان نقيّة و مستعدّة لأن تحب من جديد مستعدّة تماما لكي تنطلق مجدّدا في الحياة دون أي خيط رفيع يشدّها للخلف ... إلى ماض لم يتحوّل إلى حاضر و لن يتحوّل أبدا إلى مستقبل.... و على خطى درويش وجدت نفسها تبتسم و تقول للحياة إنتظريني....

فتحت نافذتها تستمع بزقزقة عصافير السنونو ....فالطقس ربيع ....مزهر... دقّ والدها باب الغرفة و دلف إلى الداخل بعد أن أذنت له بذلك... حلّ عليها بإبتسامته الأنيقة التي تفيض حنانا...تركت النافذة و أقبلت عليه تعانقه و تقبّل وجنتيه المقدّستين هامسة في أذنه " صباح الخير يا أروع أب في العالم " ... بادلها العناق بدوره و قال " صباح الجمال يا جميلة الروح و الفكر و المحيا...صباح الحبّ يا قرّة عيني...أخبريني هل أنت مستعدّة لرحلتك البحريّة؟ هل إنتهيت من إعداد حقائبك؟ "...  أشارت بسبّابتها إلى حقائبها المعدّة أساسا " أجل أبي ...لقد إنتهيت قبل قليل...هل ستقّلني إلى الميناء أم أنّ ليث من سيفعل ذلك ؟ "...جلس على طرف السّرير و جذبها كي تجالسه ... عدّل نظّاراته الطبيّة و قال " جميعنا سنصحبك إلى الميناء عزيزتي...إسمعيني جيّدا...إستغلّي هذه الرحلة لتنعمي بصفاء ذهنك... إسترخي و حاولي أن تستعيدي نفسك.... أعلم جيّدا أنّ ما حدث لم يكن سهلا عليك...

إنفتحي لى العالم و على الحياة من جديد...فكّري في القادم بتمهّل... ستنتهي إجازتك المرضيّة بعد عودتك من الرحلة بأسبوع... قرّري إذا ما كنت ستعودين إلى باريس و تواصلين حياتك من حيث تركتها أم أنّك ستبقين هنا "... قبّل جبينها و ضمّها إلى صدره بحنوّ...قبّلت يده و طمأنته أنّها ستكون بخير...مدّ يده إليها يسلّمها مغلّف هديّة و طلب منها أن لا تفتحها إلاّ بعد صعودها على ظهر الباخرة ...و هذا هوّ ما فعلته...ما إن إستقّرت في مقصورتها حتّى فتحت حقيبتها كي ترتّب أغراضها... وقع نظرها على هديّة والدها التي وضعت بجانب لاقطة الأحلام التي إقتنتها من باريس قبل عودتها إلى تونس...إلتقطتها و ثبّتتها في سقف المقصورة...و كأنّها تدعو أحلامها التي لم تولد بعد إلى الإنبعاث من جديد....من تحت رماد أحلامها المعدمة... كما ينبعث طائر الفينق من رماده...فيستحيل حيّا بعد موته...عادت إلى حقيبتها و أخذت الهديّة... فتحتها فإذ بها رواية " إعتقال لحظة هاربة " بقلم غادة السمّان...إنّه والدها...يستطيع قراءة حروف روحها بسلاسة و كأنّه هو من يكتبها...فتحت الكتاب ...و بدأت تقرأ ما خطّه والدها كإهداء من أجلها " تقول صاحبة الرواية – لن أسمح لهم بسرقة الدم الأخضر من عروقي و سرقة قدرتي اللاّمتناهيّة على الفرح و  على الحبّ و على الطيران- لا أعلم لماذا ذكّرتني هذه الكلمات بك...بإبنتي القويّة...المليئة بالحياة...إبنتي التي لا يراودها الأمل بل يسكن فيها...كوني قويّة من أجلي...لملمي جراحك و عيشي الحياة التي تستحقينها يا أروع إبنة على وجه البسيطة...أحبّك جدّا "....

إمتلأت عيناها دمعا...سارعت إلى قمعه لأنّ والدها لا يحبّ رؤيتها باكيّة...قد فعلت كلمات والدها فيها ما لم تفعله ستّة أشهر من النقاهة...بعد أن قرأت ما خطّه قلمه من أجلها، قرّرت أن تستجيب إلى نداء الحياة... غيّرت ملابسها بعد أن رتّبت أغراضها...قرّرت أن تترك المقصورة لتكتشف الباخرة التي تأخذها إلى اليونان...كادت تخرج لكنّها عادت أدراجها... فتحت الجيب السريّ الملحق بحقيبة من حقائبها و أخذت منه صندوقا...إنّه ذاك الصندوق الذي إحتفظت فيه بذكرياتها مع " تيم "... لقد آن الأوان كي تتخلّص منه....تركت المقصورة و بدأت تتجوّل على ظهر الباخرة إلى أن وصلت إلى أحد أطرافها المطلّة على قاع البحر...تردّدت قليلا ثمّ ألقت بالصندوق إلى الأسفل...تنفّست الصعداء....و كأنّها أزالت عنها همّا خالته لن ينتهي....قاطع صوت غريب إختلاءها بنفسها " يبدو أنّك مثلي...تسافرين كي تنسي...ربّما هي لعنة الحبّ الأوّل؟ "... 

إبتسمت بكلّ ثقة...رفعت نظرها إلى هذا الغريب فوجدته رجلا في الثلاثينات من عمره...على قدر لا يستهان به من الوسامة...ترتسم على وجهه إبتسامة ملغّمة... إلتفتت إليه... ثبّتت نظرها في عينيه و قالت " أنا في طريقي للشفاء من هذه اللعنة... و أنت مخطئ...فأنا أسافر كي أعيش و ليس كي أنسى...إذن أنا لست مثلك سيّدي "........ ضحك ملئ شدقيه من إجابتها الذكيّة....وضع يديه في جيوب بنطاله و إقترب منها قائلا " أتراني أستطيع أنا أيضا أن أعيش بدل أن أهرب و أنسى ؟ تراك كريمة إلى الحدّ الذي تقبلين معه مساعدتي على الشفاء مثلما شفيتي؟ " إستفزّتها طريقته الغريبة في التودّد إليها فردّت عليه " أنا كريمة...أجل أنا كذلك ...و بإمكاني أن أمنحك الوصفة السريّة للشفاء لكن عليك أن تحذر...فأنا إمرأة بكلية واحدة...لا أثق بالحياة و تحديدا بالرجال...أمازلت تطلب مساعدتي أيّها الغريب ؟ ".... بعثر شعره البنّي الداكن بيده و أجابها " أنا كذلك...باق على طلبي للمساعدة منك....هل يمكن أن نكون أصدقاء؟ " ....مدّ يده يطلب عهدا للصداقة...إبتسمت و مدّت يدها تصافحه...يبدو أن الحياة سريعة أكثر ممّا كانت تتوقّع...و لكّنها ستكون هذه المرّة " لين " جديدة...لا يمكن للحياة أن تعبث معها....


النهاية


منال عبد الوهاب الأخضر


SaveSaveSaveSave لعنة الحب الأول #26