Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

ركين #9

roman-novel-love-amourManel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر


كانت مشاعر "حليمة " مضطربة ، مبهمة... كان قلبها يتأرجح بين الفرح و القلق... يملأ الفرح كيانها لأنّ حبيبة روحها "ركين" ستردّد كثيرا على القرية بعد أن قرّرت إنشاء مدرسة ثانوية لتدريس فتيات القرية و لكنّ القلق ينغّص عليها هذا الفرح... أجل... هي قلقة بشأن ردّة فعل رجال القرية و كبار وجهائها الذين ما إعتادوا يوما أن تقف في وجه جبروتهم إمرأة... تخاف على صغيرتها ، التي تشبه في إندفاعها الفراشة التي بالكاد خرجت من شرنقتها، من حدّة نظرات أولائك الرجال الذين إمتهنوا إذلال نسائهم... لكنّ نظرة التحدّي و الإصرار تبدو جليّة في عيني "ركين"...يبدو أنّها مصمّمة على إنجاز ما أزمعت إنجازه... يبدو أنّها تروم نحت قدر جديد لنساء و فتيات قرية "كفّ الصبيّ"...

ساد صمت قاتل على المكان، بعد رحيل المحامي، قبل أن تقطعه الدكتورة"سعاد" و هي تسأل إبنتها " عزيزتي ، هل سنبيت الليلة هنا أم أنّنا سنعود أدراجنا إلى العاصمة؟"... طرحت "سعاد" سؤالها و هيّ تظنّ أنّها تعرف الإجابة مسبقا...فقد كانت ترجحّ أن تميل "ركين" إلى الإحتمال الثاني...اي العودة إلى العاصمة و لكن....يبدو أنّه يوم المفاجآت بإمتياز... فعلى عكس المنتظر، أعلنت تلك الفتاة ، التي خالت نفسها قادرة على توّقع ردّات فعلها، أنّها ستمضي ليلتها هنا... في هذا المكان....حتى أنّ إقامتها تطول إلى أن تطمئنّ أنّ إجراءات إنشاء المدرسة تسير على خير ما يرام...كادت "حليمة" أن تقفز فرحا ببفاء صغيرتها إلى جانبها...لم تزل تبحث عن عبارات تعبّر بها عن سعادتها ببقائهما معها لتؤنسا وحدتها حتّى باغتتها "ركين" بعناق طويل و قالت " من الآن فصاعدا لن أترك الخالة "حليمة"... لن أبتعد عنها و لن أسمح للظروف أن تفرّقنا كما فعلت سابقا"...

*********

أمرت "حليمة" الخدم بإعداد غرفتين من أجل ضيفتيها و تعمّدت إختيار غرفة أخرى من أجل"ركين" حتّى تجنّبها ألم إستعادة ذكريات الماضي المشحون بالدموع و الغضب و مشاعر القهر التي عايشتها في غرفتها القديمة....تلك الغرفة التي كانت أقرب  الزنزانة ... و لكن...هيهات... فما إن عادت إلى قاعة الجلوس حتى أخبرتها "سعاد"، بلغة العيون، أنّ ما خشيته قد حدث... فقد دلفت "ركين"، لتوّها، إلى غرفتها القديمة...فتحت الباب و إذ بالغرفة كما تركتها.... حتى الشراشف و الأغطيّة البيضاء هي ذاتها إلاّ أنّ بياضها لم يعد ناصعا....بل أصبح يميل إلى الأصفر...أغلقت الباب و جلست على أحد المقاعد الخشبيّة القديمة قدم ألمها المرتبط بهذه الجدران .... تذكر جيّدا أنّها كانت تجلس ، على هذا المقعد بالذات، ضامّة ركبتيها إلى بعضهما البعض كلّما عاقبها خالها... أو بالأحرى كلّما حرمها حقّا من حقوقها و صادر حريّة من حريّاتها...لقد كانت تجلس مثبّتة نظرها في سقف الغرفة و كأنّها تبحث عن مخرج يساعدها على العبور من ذاك العالم الذكوري المجحف إلى عوالم أخرى... عوالم تتحرّر روحها و تنعتق من سجن خالها الحاقد عليها و على كلّ أنثى تلمح في عينيها شعلة الحريّة ...كانت تحلم باليوم الذي تقطع فيه، تماما ، مع واقعها الذي لم تتعلّم، رغم محاولاتها العديدة، أن تتعايش معه....
تركت المقعد الخشبيّ و قصدت النافذة التي كانت فتحة النور و الأمل الوحيدة وسط ظلام تلك الغرفة التي ما شعرت يوما بالراحة فيها... جذبت الستار و أخذت تتأمّل حقول الذرة....ياله من منظر جميل يتناغم فيه اللون الأخضر مع الذهبيّ...لطالما حاولت أن لا تكره المكان و أن لا تحمّله وزر تعاستها و ألم إغترابها...تراءى لها  ظلّ إحدى الفزّاعات التي يصنعها المزارعون لحماية محاصيلهم من الطيور ... إنفجرت ضاحكة ... لقد تذكّرت أنّها كانت تتمنّى  أن تصبح فزّاعة في أحد الحقول... فحتّى الفزّاعة المكوّنة من قطع القماش الباليّة كانت أكثر حريّة منها...علت ثغرها إبتسامة خجولة....فقد أدركت أنّ بشاعة الماضي لا تجعله خاليّا من بعض الذكريات الجميلة...هكذا هيّ حياتنا...مدّ و جزر بين الأمل و اليأس...بين الألم و اللّذة... بين الحزن و السعادة...بين الماضي و الحاضر و المستقبل...بين الحياة و الموت...
الموت ذاك الشبح اللّعين الذي خطف الحياة من أمّها و أحالها هيّ إلى شبح يعافر كي تعود روحه إلى الحياة... قاطع صوت طرقات خفيفة على الباب... و كانت "حليمة" و في يدها كوب من الحليب الدافئ... لم تنس، رغم مرور كلّ هذه السنوات أنّ "ركين " لا تستطيع أن تخلد إلى النوم قبل أن تشرب الحليب الدافئ... إبتسمت"حليمة" إبتسامة دافئة دفئ مشاعرها تجاه هذه الفتاة التي تلاعبت بها الظروف مرارا و تكرارا ... وضعت كوب الحليب على المنضدة و خاطبت " ركين" قائلة " ها قد أحضرت لك كوبا من الحليب الدافئ الممزوج بالعسل الأسود و الزنجبيل المطحون كي يساعدك على النوم... عزيزتي لديّ إقتراح من أجلك ... ما رأيك أن نجعل من هذا المنزل مقرّا للمدرسة الثانويّة التي تودّين إنشاءها... هذا المنزل كبير جدّا كي أقيم فيه لوحدي "....


منال عبد الوهاب الأخضر


SaveSaveركين #9