Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

ركين #8

anxious-girlManel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر


إنحنت تعانق الخالة "حليمة" و هي تقاوم شهقة البكاء التي كادت تتمكّن منها... شدّت عليها و هي تحضنها...بادلتها زوجة خالها حرارة العناق...راودهما الإحساس ذاته...ذاك الإحساس الذي يزورنا حين نلتقي شخصا طال غيابنا عنه و لكنّنا نشعر و كأنّ الزمن قد توقّف عند آخر لقاء... و كأنّ السنون لم تمض و النفوس لم تتغيّر و الملامح بقيت على حالها... هكذا شعرت "ركين" حين وقع نظرها على الخالة "حليمة"...

سرعان ما لملمت شتات نفسها و حبست دمعها و جلست بجانبها.... رسمت قبلة عرفان بالجميل على جبين المرأة التي خلقت لها فرصة جديدة للحياة حين ساعدتها على الهرب من مستنقع العبودية الذي كادت تغرق فيه... لاح في أفق نظرها وسط الدار فعادت بها الذاكرة إلى تلك الفترة حالكة السواد التي أمضتها سجينة في هذا البيت... تذكّرت أنّها كانت تتسلّل ليلا، بمعيّة الخالة "حليمة"، إلى الخارج حتى تشاهد النجوم و هيّ تتلألأ في كبد السماء... كما كانت تفعل رفقة والدتها قبل أن ينقضّ عليها شبح الموت اللّعين...

كانت كلّ ليلة تنتظر أن يخلد الجميع إلى النوم و خاصّة خالها ثمّ تقبل عليها "حليمة" بعد أن تسرق مفتاح الغرفة من جيب زوجها و تحرّرها من سجنها ولو لحين... في ذلك الوقت كان خالها قد قرّر حبسها بعد أن أدرك أنّها تطالع الكتب خلسة عوض أن تأخذ مكانها في المطبخ حتى تصبح مناسبة للزواج

أخذ المحامي مكانه بينهم معلنا لهم أنّ إعلام الوراثة قد صدر بعد أن إستوفى كلّ الشروط و الإجراءات القانونية... و يقضي إعلام الوراثة أنّ لا وريث للسيّد "محمود" سوى أرملته و إبنة أخته الوحيدة، بما أنّه لم ينجب....إذن،  كلّ ما ملكه خالها في حياته آل إليها في نهاية المطاف...كانت الدكتورة "سعاد"، و كذلك الخالة "حليمة" تنتظران من "ركين" أن ترفض إستلام حصّتها الشرعيّة و القانونيّة من الميراث... و هذا ما كانت كلّ الوقائع و الحيثيّات تفرضه...كان من المنطقي أن ترفض، بكلّ ما أوتيت من عناد، أيّ شيء يذكّرها أنّ ذات الدم يجري في عروقها و عروق ذاك الرجل الذي كان أقصى عليها من العطش على مسافر تائه في الصحراء...حتى أّنّهما آثرتا أن لا تضغطا عليها في هذا الموضوع بالذات... تقدّم المحامي من "حليمة " و تكلّم بصوت منخفض " هل سنتمّ بقيّة الإجراءات اليوم سيّدتي أم أننّا سنؤجّل الأمر إلى الغد؟ أظنّ أنّه من الأفضل أن نسرع إذا كنتنّ ترمن إنهاء الأمر اليوم فساعات دوام الدوائر النظاميّة التي نحتاجها تكاد تنتهي"...

كانت "حليمة" عاجزة على الردّ.. فهيّ ليست على يقين من موقف " ركين "... همّت بسؤالها إذا ما كانت تقبل إستلام ميراثها و كانت ترجّح أنّ إجابتها ستكون بالرفض... و قبل أن تتكلّم قاطعها صوت هذه الأخيرة و هيّ تسأل المحامي " حضرة المحامي، هل يمكن أنّ أحوّل ما سيؤول إليّ من عقارات إلى نقود؟ أريد نصيبي من الميراث في شكل سيولة و أظنّ أننّي سأحتاجك في الأيّام القادمة... ستكون ممثّلي القانوني لأنّني أنوي إستخراج رخصة لبناء مدرسة للفتيات هنا".... أجل... هذا ما فكّرت فيه بمجرّد أن أعلمتها "سعاد" أنّ خالها توفيّ...كانت تعلم أنّ لا أحد يتوقّع أن تختار العودة إلى قرية "كفّ الصبيّ"... كانت تدرك جيّدا أنّ لا أحد ينتظر أن تحوّل ميراثها من خالها إلى سلاح تحارب به من أجل كلّ فتاة يتهدّدها خطر الزواج المبكّر...و ما من سلاح يمكن أن يخلّصهنّ سوى التعليم...لذلك قرّرت أن تنشئ لهنّ مدرسة ثانوية... فقد إعتاد سكّان هذه القرية على إجبار الفتيات على الإنقطاع عن الدراسة بمجرّد إنهائهنّ المرحلة الإبتدائيّة...ستعود "ركين" فقط لكي لا تعيش فتيات القرية ما عايشته هيّ من ظلم.... و لكنّ المهمّة الأصعب ستكون إقناعهنّ بتحدّي ظروفهنّ و قهر الخوف من أجل بناء مستقبل أفضل من أجلهنّ..... من المؤكّد أنّها سوف تواجه العديد من المتاعب و المصاعب و لكنّها لن تتراجع و لن تتوقّف أبدا... ستشئ المدرسة الثانويّة مهما كلّفها الأمر....



منال عبد الوهاب الأخضر
Saveركين #8