Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

ركين #7

retour-au-village-gensManel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر


كانت رحلة "ركين"  متعبة، ليس فقط جسديا بل كذلك نفسيا... هاهي الآن على مشارف القرية التي لطالما كانت كهفا، مخيفا، مظلما بالنسبة لها...  إرتسمت على شفتيها إبتسامة ساخرة و هيّ تقرأ إسم القرية المنقوش على بوابة المدخل... " قرية كفّ الصبيّ"... 

يا لها من سخريّة هاته التي يمتهنها القدر!!  كانت قد قرأت في علم اللسانيات عن العلاقة الإعتباطيّة بين الأشياء و أسمائها... بيد أنّ الأمر يبدو مختلفا في ما يتعلّق بإسم قريتها...  فهذا الإسم الملعون يعكس لا محالة واقع القرية و حال أهلها... 

قرية نائية جرت العادة فيها على إحتقار النسوة... و كأنّ هؤلاء الناس قد أصابتهم عقدة أنوثة...  تذكر جيّدا أنّ خالها المتوفّى قد فرض عليها إرتداء ملابس فضفاضة و أن تغطي شعرها حتى لا تثير الفتنة بين شباب القرية و رجالها... حتى الشيوخ منهم...  تذكر أيضا أنّه حرمها من العودة إلى الدراسة بعد إنتهاء فترة الحداد على موت أمّها...

هيّ لم تشعر يوما بالإنتماء إلى هذا المكان...  لم تستعد إنسانيتها المهدورة إلاّ حين فكّرت و خالتها "حليمة"  في الإلتجاء إلى الأخصائية الإجتماعية التي كانت تزور القرية بين الفينة و الأخرى... كلّما تقدّمت السيارة في ربوع القرية إشتدّ ضيقها و تألّمت روحها حدّ الإحتراق... وجدت نفسها تضمّ ركبتيها إلى بعضهما البعض لا شعوريا... أغمضت عيناها و فتحتهما بصعوبة و كأنّها ترفض أن تستوعب أنّها هنا مجدّدا،  بعد ما يزيد عن التسع سنوات... ها أنّها تعود إلى مصيدة الفئران بساقيها هذه المرّة...  و لكنّها لن تكون الفريسة بل ستكون الصيّاد...  لن تكون كما أراد لها رجال هذه القرية و البعض من نسائها أن تكون...  لا تستطيع أن تفهم... كيف يمكن لإمرأة أن ترضى المذلّة لنفسها و لمثيلاتها من النساء؟  كيف لهنّ أن يقبلن ما هنّ عليه دون أدنى إرادة للمقاومة؟ ...  توقفت السيارة أمام منزل خالها...  أخذت نفسا عميقا و هيّ تدعو نفسها إلى الهدوء و الرصانة فهيّ في أمسّ الحاجة إليهما الآن بالذات...  كانت الدكتورة "سعاد"  برفقتها و كانت تدرك جيّدا أنّها تجد صعوبة بالغة في العودة إلى مكان تراه بمثابة جحيم... 

شدّت على يدها تعلن مؤازرتها لها و قالت " إيّاك و التوتر عزيزتي...  أنت هنا من أجل شأن قانوني سنفصل القول فيه و نمضي"...  وضعت" ركين" يدها على صدرها و كأنّها تأمر قلبها أن يهدِأ من روع نبضه المتسارع ثمّ توجّهت إلى "سعاد"  مخاطبة إيّاها " لست هنا فقط من أجل شأن قانوني يا أمّي...  أنا هنا من أجل ثأر قديم و من أجل وعد قطعته على نفسي و قسم بروح أمّي لن أحنث به مهما كلّفني الأمر"...  لم تشأ" سعاد " أن تضغط أكثر على هذه الفتاة التي إحتوتها و عاملتها كما لو كانت من صلبها...  ربّما لم تنجبها و لكنّها تشعر أنّها إبنتها...  إبنة قلبها...  فتحت" ركين" باب السيارة و نزلت...  سكنت أطرافها رعشة غريبة و مخيفة مذ وطأت قدماها أرض الفسحة الخارجية لبيت خالها...  لقد كان بينا كبيرا و مازال...  كانت أسواره عالية تماما كما قلعة طروادة... تلك الأسوار التي وصفها هوميروس في ملحمة الإلياذة و الأوديسة بالمتينة...

لكنّ متانتها لم تصمد أمام ذكاء الإغريق الذين تسلّلوا إلى المدينة متحدّين ذكاء و قوّة أميرها "هكتور"...  و هاهيّ ذا تدخل في وضح النهار إلى قلعة الظلام... منزل خالها المتوحش غير متسلّلة... بل بموجب القانون... بدت واثقة الخطى... حادّة النظرات...  فمنذ قست عليها الأيّام و هي غضّة طريّة بعد،  أصبحت تُتقن فنّ التحكّم في نفسها و ضبط إنفعالاتها...  تقدّمت بثبات نحو ردهة المنزل أين كان المحامي في إنتظارها...  كانت "سعاد"  تمشي وراءها و تبتسم فخرا بها...  ف"ركين " ماعادت تلك الفتاة المهتزّة التي تنعدم ثقتها بنفسها... بل أصبحت إمرأة ناضجة، معتدّة بذاتها،  تدرك جيّدا وزنها في هذا العالم و ما إرتأته لنفسها من مهام... صافحتا المحامي الذي قادهما إلى غرفة الجلوس أين كانت" حليمة " تجلس على أحد المقاعد الخشبية المنقوشة التي لم تأخذ منها الأيّام  فخامتها...  كانت تجلس في سكينة مثيرة للإنتباه... و كأنّها محارب إنتصر لتوّه على ألدّ أعدائه...  رفعت رأسها و إبتسمت في حنوّ و قالت" ركين... حبيبتي ألم أخبرك أنّك ستعودين يوما ما إلى هذا المكان سيّدة ناجحة؟  تعالي عانقيني يا بنيّتي "...


منال عبد الوهاب الأخضر

Saveركين #7