Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149
ركين #21
وضع فنجان القهوة على طرف المقعد و إلتفت إليها يتفرّس ملامحها فرأى في عينيها دمعا حبيسا يكاد ينزل و لكنّها تقاوم رغبته في مغادرة مقلتيها... شعر بالألم يعتصر قلبه لرؤيتها في هذه الصورة... و لكنّه لم يكشف لها عن ذلك بل تركها و ذهب دون أن يسمح لملامحه أن تعبّر عن صدمته لمعرفته أنّها تزوّجت قصرا و لا لإعجابه بها أن يخرج إلى الضوء...
شكرها على القهوة و مضى إلى غرفته علّه يسترق ساعة نوم من الوقت المتبقي قبل أن يعود إلى العاصمة، فهوّ لم يأت إلى تونس بغرض المكوث فيها... لقد جاء في زيارة خاطفة تجمع بين العمل و عودة العائلة... و كم يكره واقع أنّ هذه الزيارة الخاطفة قد قادته إلى قرية " كف الصبي"...
تمدّت على السرير و به عزوف عن النوم... و فجأة راوده سؤال غريب" هل يودّ فعلا أن يعود إلى العاصمة؟ هل يودّ فعلا أن يقطع آخر خيط يمكن أن يشدّه إلى المكان؟ هل سيرى ركين مرّة أخرى؟... هل عليه أن يخبر والدته أنّه إلتقى الخالة حليمة؟ "...
كلّ هذه الأسئلة أخذت تنخر رأسه فحرمته الراحة و شغلت عقله حدّ الإرهاق... أغمض، عينيه مستجديا النوم فقفزت أمام عينيه صورة من صور ذكريات الطفولة... صورته و هو يساعد فتاة صغيرة تصغره بسنة أو سنتين... رأى نفسه و هوّ يساعدها على تجاوز الجسر الرابط بين طرفي القرية... ذلك الجسر المهترئ شأنه شأن كلّ ما يوجد في القرية... فتح عينيه و أعاد إغماضهما فزارته ذات الصورة من جديد... لكن هذه المرّة كانت الصورة أوضح بكثير...
فقد إقتربت ذاكرته من ملامح الطفلة التي ساعدها آنذاك... طفلة بملامح جميلة... شعر بني بندقي جميل... عينان واسعتان عسليتا اللون... إبتسامة بريئة تحاول أن تشرق رغم عواصف الحياة... و كأنّه يعرف هذه الملامح... و كأنّه بالطفلة التي ساعدها بالأمس البعيد هي ذاتها إمرأة التوليب... "ركين"...
جلس القرفصاء كما كان يفعل في صغره حين تعاقبه أمّه على ذنب إقترفه و أخذ يردّد بينه و بين نفسه أنّه لا يمكن أن تكون تلك الصغيرة هي نفسها" ركين"... "ركين" التي كانت غير غير قادرة على النوم بدورها... إذ تتشغل بالها آلاف المشاغل و يحيّر خاطرها هذا الرجل غريب الأطوار الذي تشعر به طارة قريبا جدّا لتجده بعيدا عنها كثيرا طارة أخرى...
و بين هذا و ذاك تشعر أنّها تعرفه و أن بينهما رابط وجود.... إستسلمت بعدجهد جهيد للنوم... و لم تستيقظ إلاّ حين سمعت أزيز الستائر التي كانت "حليمة" ترفعها... داعبت خيوط الشمس وجهها فإبتسمت رغم قلبها المعتلّ...
فتحت عينيها و ألقت تحيّة الصباح على زوجة خالها التي كانت تلوّح برسالة في يديها قبل أن تقترب منها و تسلّمها لها قائلة" صباح الخير صغيرتي الحلوة... خذي هذه الرسالة... لقد تركها لك آسر قبل مغادرته "... إذن رحل ذلك الأحمق دون حتى أن يودّعها...
رحل دون حتى أن يتكلّم معها للمرّة الأخيرة... أزاحت عنها الغطاء الذي كان يلفّ جسدها كما تلفّ الشرنقة الفراشة و أخذت الرسالة ووضعتها في درج من أدراج الغرفة بلامبالاة مصطنعة و نظرت إلى"حليمة" و قالت بأنفة " فليكن، لقد ساعدني و شكرته و إنتهى الأمر أما الآن فعلينا أن نهتمّ بشؤوننا...
سأرفع شكوى رسمية ضدّ أولئك المخربين و من بعدها سنستأنف أشغال المدرسة و لن يقف أمامنا أي عائق بعد الآن"... هي لا تكذب... فهي مصرّة على مواصلة الدرب نحو تحقيق مشروع المدرسة و لكن هل إنتهى أمر " آسر" فعلا؟... هل ستكون هذه النهاية حقا؟.
Website Design Brisbane