Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

ركين #22

roman-novel-love-amourManel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر



إتّخذ طريقه نحو العاصمة و يشعر بروحه تحترق... تتآكل من الداخل... فمرّة أخرى تضعه الحياة أمام إختياران كلاهما أصعب من الآخر ...إمّا سلامه أو "ركين"...إمّا الماضي الذي يتربّص بالمستقبل كي يلتهمه أو الحاضر الراكد، الهادئ هدوء الميّت في قبره...

كان يقود السيارة و هوّ تائه...يعافر أمواج بحر هائج من المشاعر المختلطة المبهمة... و لكنّه كان يعلم أنّه ليس بوسعه سوى الهرب من ذلك  المكان و من كلّ ما يمكن أن يشدّه إليه من جديد... مضى قدما في طريقه نحو العاصمة و لكنّه كان يتساءل بينه و بين نفسه" هل سيمضي قدما في طريق نسيان إمرأة التوليب ؟"....

إمرأة التوليب التي كانت تتحاشى النظر إلى الدرج الذي أخفت فيه الرسالة... حتى أنّها قرّرت أن لا تقرأها و أمضت يومها و هي تجري إتّصالاتها من أجل تنظيم أعمالها التي أهملتها بما فيه الكفاية...إتّفقت مع صاحب أحد الفنادق بمدينة ميلانو كي تصنع له مجموعة من التحف الخزفية كي يؤثث بها ديكور فندقه ...إذ أعجب بأعمالها في معرض مكسيكو... هناك أين إلتقت "آسر"... ذاك الجبان الذي فرّ دون حتى أن يودّعها... فرّ تاركا وراءه مجرّد كلمات عل ورق... كلمات عاهدت نفسها أن لا تقرأها مهما حدث... كانت قد إتّخذت لنفسها ركنا من أركان الحديقة الواسعة التي تمتدّ على طول منزل خالها الذي كانت مساحته كافية لبناء المدرسة الثانوية و للحفاظ على متّسع لإقامتها رفقة الخالة "حليمة "... إختارت أحد أركان الحديقة و حوّلته إلى ورشة صغيرة... وضعت فيه كلّ ما تحتاجه كي تشكّل من الطين ما يطيب لها من أشكال فنيّة تحاكي ما يخالج نفسها من خواطر... إرتدت بزّة ترابية اللون تقي ملابسها ما يمكن أن يطولها من شوائب يلحقها بها الطين ...

رفعت شعرها القصير فبدت كطفلة تستعد للنوم ثمّ إنغمست في عملها.. صبّت جام غضبها على الطين فخرجت من بين يديها تحف رائعة ما كانت لتخرج منها في حالتها العادية... أرغدت فأزبدت فإنفرج غضبها عن عمل متقن.. . مرّت ساعات طويلة و هيّ تعمل... حتّى أنّ الشمس قد غابت... لم تتناول الطعام وال اليوم فبدأت آلم معدتها تشتدّ.. و كأنّها تحتجّ على معاملتها السيّئة لها... نفضت يديها من بقايا الطين الجاف و ذهبت إلى أقرب حنفيّة كي تغتسل... بلّلت وجهها بالقليل من الماء الذي لسعتها برودة قطراته مذكّرة إيّاها بأنّ ركب الشّتاء قد حلّ و بأنّ البرد قد حطّ رحاله على القرية كي يزيدها قسوة و جفاء....

نزعت عنها بزّة العمل الملطّخة بالطين و إتّجهت نحو المطبخ كي تسكت صراخ معدتها فتخلّلت أنفها رائحة زكيّة... إنّها رائحة "البركوكش"...ذاك الطبق التقليدي الذي تشتهر به المناطق الجنوبية من بلدها...أكلة شتوية يستعين بها سكان المنطقة في مقاومتهم لقساوة الشتاء الذي يجمع بين غضب الصحراء و قساوة الرياح الجافة جرّاء شحّة الأمطار...إقتربت ممن الوعاء الذي لم يزل يغلي على نار الموقد و رفعت عنه الغطاء ... أخذت تتنشّق رائحة التوابل الحارّة كما تستنشق رائحة الورود العطرة...

أعادت غطاء الوعاء  إلى مكانه فخرجت من جوفها تنهيدة طويلة المدى... إذ تدور الكثير من ذكرياتها الحميمة حول هذا الطبق...ذكريات تجمعها بأمّها المتوفاة.... لقد كانت والدتها المرحومةتعدّ " البركوكش" على نار الحطب و كانت تتقن إعداده فكان هذا الطبق خير ونيس لهما في ليالي الشتاء القاسية... التي الليالي التي كانت قسوتها تشتدّ بين أسوار منزل تحوي جدرانه الباردة إمرأة شابة و طفلة صغيرة تتشاركان ألم الفقد... إمرأة فقدت زوجها و أنيس وحدتها و حبّ حياتها في وق مبكّر جدّا و طفلة خسرت والدها قبل حتّى أن تراه...شعرت بحرارة وجهها ترتفع و بدمعها يكاد ينهمر فسارعت بوضع إبهامها على طرف مقلتيها كي تمنعه من الإنسكاب... كانت "حليمة " قابعة هناك... في عتبة الباب تتأمّل "ركين" الصغيرة التي كبرت و أصبحت قادرة على التحكّم في إنفعالاتها كما لم تكن قادرة حين كانت طفلة..."ركين" التي نجحت في إخفاء ألمها و إنكساراتها التي تعلّمت التعايش معها و أصبحت تستيقظ معها كلّ صباح و لكنّها فشلت في إخفاء مشاعرها تجاه "آسر" و إنزعاجها من رحيله المفاجئ... إقتربت منها ووضعت يدها على كتفها و داهمتها بسؤال مباغت " هل أنت معجبة بآسر " ؟...

يتبع

منال عبد الوهاب الأخضر

Saveركين #22