Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

ركين #16

roman-novel-love-amourManel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر


إنتهت بشقّ الأنفس من الإجابة عن الأسئلة المملّة التي كانت الصحفية تطرحها عليها... ربّما بدت لها الأسئلة مملّة لأنّ فكرها كان مشغولا بوجوده معها في ذات المكان...ذاك الوجود الصامت،المستفزّ القاتل، المغري حدّ النخاع...

لم تكن قادرة على منع أفكارها من الإنزلاق نحوه و لا نظرها من الميل حيث يقف... كانت متوتّرة و لكّنها منشرحة الصدر... تسكن قلبها غبطة غريبة لاحت في أفقها منذ لمحته واقفا قبالتها... لا تستطيع أن تنكر أنّ رؤيته أسعدتها لا محالة... أمّا هوّ ، فقد إتّخذ لنفسه ركنا قصيّا من القاعة... إلتصق نظره بالنافذة و لكنّه كان يراوغ نفسه مسترقا النظر إليها و هوّ يدّعي فحص الكاميرا الرقمية خاصّته... لقد بدت أجمل من المرّة الأولى التي رآها فيها حين إلتقيا صدفة في شوارع مكسيكو...

يبدو مظهرها مرتّبا أكثر هذه المرّة رغم أنّ أناقتها ليست إعتيادية و لا مستهلكة... لقد صدق حدسه حين أخبره،منذ البداية، أنّه في حضرة إمرأة إستثنائية... شعرها القصير بخصلاته البنيّة يدعوه إلى العبث به... إلى أن يبعثره بين أصابعه هنا و هناك... كلّ ما فيها يستفزّه... حتى إسمها "ركين"... له وقع خاصّ على مسامعه...لمحها و هيّ تستقيم من جلستها تاركة المقعد في شموخ كما تترك النحلة الزهرة بعد سلبها رحيقها... إلتقطت حقيبتها السوداء و أفسحت المجال للصحفية كي تسبقها و ترشدها إلى مكان التصوير...كان يراقب حركاتها و سكناتها دون أن يدرك أنّها تفعل ذات الشيء معه...كلاهما يريد أن يحطّم هذا الجدار الفاصل بينهما...جدار الصمت، جدار البرود و التجاهل ولكنّ غرور كلّ منهما يمنعه من التنازل و المبادرة...مرّت بجانبه في علياء... مرّت بجانبه و تركت دقّات قلبه تتطاير كما تترك الموجة الهوجاء الزبد يتطاير بعدها...ما كادت تمرّ به حتى أخذت نفسا عميقا و هنّأت نفسها على قدرتها على التحكّم في إنفعالاتها التي كادت تفضحها أمام عينيه الثاقبتين...

ولجت الصحفيّة و من بعدها "ركين" إلى قاعة صغيرة تحوي كلّ المعدّات التي يفترض أن يحويها إستوديو للتصوير الفوتوغرافي الإحترافي... وضعت يدها على الحائط و إستندت عليه و هيّ تتلمّس طريقها نحو وسط القاعة حيث تحمل الأرضيّة نقشا فسيفسائيا فائق الإتقان...في منتهى الروعة... إنحنت مثنّية على ركبتيها تتلمّس النقش و هيّ تظنّ أنّها لم تزل برفقة الصحفية... لم تكن تعلم أنّ الصحفيّة رحلت و حلّ محلّها "آسر"...إتّكأ على الباب و عقد مرفقيه فوق قفصه الصدري و أخذ يتأمّلها دون أن ينبس ببنت شفة...إنّها فعلا غريبة الأطوار... فهيّ لم تأبه بكعبها العالي و خاطرت بتقاليد الأنوثة و هيّ تنحني فوق النقش تتمثّل أدقّ تفاصيله إستجابة تلقائية لذائقتها الفنيّة...ففي النهاية لا يوجد فرق كبير بين فنّي النحت و الفسيفساء... إلتفتت و في نيّتها أن تسأل الصحفية عن صاحب هذا النقش الفسيفسائي فتصادمت نظراتها المذهولة المتفاجئة بنظراته المبهمة التي لم تعي نفسها بعد... لم تعي بأنّها نظرات يذهب مداها من الإعجاب الشديد إلى العشق المزمن بسرعة البرق... تركت إنحناءها و إستقامت واقفة و هيّ تحاول أن تخفي إرتباكها... كانت تنوي الخروج من القاعة و لكنّه حال بينها و بين غايتها... يبدو أنّه أعلن حدّا لتلك الحرب الباردة التي كانت تدور بينهما ... فهوّ لن يقوى أكثر على إدّعاء اللاّمبالاة..

لن يستطيع مواصلة لعبة التجاهل التي بدأها...ما إن غطّت قامته الطويلة المخرج أمامها حتّى توقّفت و هيّ تتشبّث بحقيبتها كما يتشبّث الطفل الخائف بتلابيب ثوب أمّه... حرّر مرفقيه من تشابكهما و تقدّم نحوها بكلّ ثبات... توقّف قريبا منها و قال بنبرة تجمع بين اللين و الشدّة، بين الضعف و الغضب " ما كان عليك أن تتجاهلي دعوتي لك لزيارة الإستوديو خاصّتي يا إمرأة التوليب...كان حريّا بك أن ترسلي رسالة نصيّة قصيرة تعتذرين فيها عن القدوم في الموعد المحدّد أم أنّ الأمر برمّته ما كان يعني لك ؟ "... ماذا عساها تفعل الآن ؟ هل تواصل في عنادها و تدفعه بعيدا و تمضي في سبيلها أم تتوقّف و تعلّل تخلّفها عن دعوته ؟ هيّ الآن ما بين المطرقة و السندان... تعيش جدلا داخليا بين غرور أنثى متمرّدة و فضول أنثى تعجب برجل للمرّة الأولى في حياتها...فماذا عساها تفعل؟...


يتبع

منال عبد الوهاب الأخضر

Saveركين #16