Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149
لعنة الحب الأول #7
Manel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر
أصابها شلل كبّل لسانها عن الكلام و عقلها عن التفكير و جسدها عن الإنفعال فكانت عاجزة حتّى عن المغادرة... ضمّت ركبتيها لبعضهما البعض دون إرادة منها... أمسكت أطراف حقيبتها و كأنها غريق يتشبّث بآخر أمل له في النجاة...
عادت بها الذاكرة إلى ذلك اليوم الذي وضعت فيه قلبها جانبا و سلّمت الحكم لعقلها فكان الإنفصال هو القرار... هذا القرار الذي ظنّته أصوب القرارات في حياتها... تذكر جيّدا أنّها كانت ترتدي يومها ثوبا أسودا... لقد كانت في حداد على حب عاش في قلبها فأزهر... لكن عقلها حكم عليه بالإعدام...
كانت قد حسمت أمرها حينها و حدّدت أولويّاتها... كانت تحاول أن تنقذ ما تبقّى من أعصابها بالإبتعاد عنه... ربّما كان فعلا جبنا منها أن تهرب منه... و لكنّها كانت تملك مبرّرا قويّا جعلها تعتقد أنّها تفعل الأفضل حينها... لم تنس نظرة الغضب في عينيه و هي تضعه أمام ضرورة الإختيار بينها و بين نضاله السياسي و الحال أنّها كانت تعلم في قرارة نفسها أنّه لن يختارها... ليس لأنّه لا يحبّها و لكن لأنّه سيرى في مطالبتها له بالإختيار إهانة و هوّ رجل لا يقبل الإهانة... ربّما خانتها حكمتها في ذلك الوقت... لطالما إعتقدت أنّه خذلها في ذلك لأنّه لم يحاول حتى أن يدافع عن وجودها في حياته.... غادر تماما كما غادر اليوم...أوجعها صمته بالأمس... أمّا اليوم فقد ذبحتها كلماته....
على نزيف الذاكرة هذا أن يتوقّف و على قطار الحياة أن يمضي... رفعت أصابعها المرتعشة لتمسح دمعة هاربة من مقلتيها... هل تبكي على ماض تركته وراءها فما لبث أن بعث أمامها أم تبكي على حاضر خالته هادئا مستقرّا فعصفت به رياح غير متوقّعة لم تتمكّن من توجيهها و لا التحكّم في قوّتها...
و لكنّها إكتفت من هذه العاصفة الهوجاء... لم تقبل يوما بهزيمتها أمام القدر و لم تنحني أبدا راكعة أمام الألم حتى في أتعس حالاتها... لن تكون إمرأة ضعيفة لأنّ دور الضحيّة لا يليق بها... سوف تنسى لقاءهما و هذا الحوار الذي دار بينهما... ستواصل حياتها من حيث توقّفت... سوف تستعيد رباطة جأشها و ستمضي قدما كما فعلت دوما....
تركت المقهى و هي تغالب دموعها و تعد نفسها بأنّها ستكون أفضل... مرّت بجانبه... إذ كان يقبع في إحدى زوايا الشارع المقابل للمقهى يراقب حركاتها و سكناتها... مرّت دون أن تلحظ وجوده... مرّت بهدوء مدمّر... حبّه لها كالموت البطيء... لقد كان يكذب عندما أخبرها أنّه إنتهى منها و أنّه تخلّص من بقايا وجودها في حياته.... لقد قال ما قاله على سبيل الحماية... حماية نفسه من الهزيمة مجدّدا أمام عينيها... كم هيّ عابثة هذه الحياة... و كم هوّ ساخر هذا القدر... بحث عنها و إختلق ظرفا ملائما كي يلتقيا و تحجّج بالأمسية الشعرية كي يعاود رؤيتها فقط لكي يثأر من الطريقة التي تركته بها... ماذا يريد أن يثبت لها؟ أنّه تجاوز غيابها عنه و لملم جرح الماضي؟ هل أراد أن يجرحها كي يرضي غرور الرجل الشرقي داخله؟ إذا كان هذا هدفه من رؤيتها لماذا يتألّم إذن؟ ها قد خرج منتصرا من معركة الحب و الكبرياء و عليه أن يكون فخورا بنفسه... فقد نجح في رسم نظرة الإنكسار في عينيها و زرع نبرة الإضطراب في صوتها فماذا يريد بعد؟ لماذا يشعر بأنّ الإنكسار الذي لمحه فط عينيها قد دلف إلى قلبه كالسهم مباشرة... لماذا يعجز عن مغادرة هذه الزاوية حتى بعد أن غادرت...
هلّت شمس صباح جديد دلفت خيوط نوره من فتحة الشبّاك... فتحت عينيها و أجالت بصرها في أرجاء الغرفة... إستبدلت وضعية النوم بوضعية الجلوس فرأت إنعكاس صورتها في المرآة... لاحظت إنتفاخ عينيها جرّاء ليلة كاملة من البكاء... رفعت شعرها بكلتا يديها و أعادت إسداله على كتفيها و كأنّها تحرّر أنفاسها المكبوتة فأطلقت لها العنان عبر تنهيدة طويلة المدى... تنهيدة أبلغ من كلّ لغات العالم...
إذن فهي لم تكن تحلم... لقد قادها غباؤها فعلا إلى أن تجعل من نفسها أضحوكة أمامه ليلة البارحة... إنتفضت و تركت سريرها متّجهة نحو الخزانة... فتحت أحد الأدراج بحركة إنفعالية تعبّر عن غضب بركانيّ... أخذت تبحث بين أغراضها عن صندوق إحتفظت فيه ببقايا قصّتها معه... عثرت على الصندوق... أخرجته من الركن الذي كان "مختبئا" فيه.. فتحته... بعثرت محتوياته و أعادت ترتيبها... وقع نظرها على بقايا تلك الوردة البيضاء التي أهداها إيّاها في أولّ موعد بينهما... رمقت تلك الأوراب اليابسة بنظرة حانقة سرعان مل تحوّلت إلى نظرة ألم... لملمت تلك الأوراق و كأنّها تلملم شظايا روحها السقيمة.... وضعتها مع بقية الأشياء في الصندوق... أغلقته و أعادته إلى مكانه و هي تدرك أنّها تحاول أن تتخلّص منه، عبثا، في كلّ مرّة...
مسحت ما تبقّى من دموعها و إتّجهت نحو المطبخ لكي تعدّ قهوتها الصباحيّة لعلّها تجد في قطراتها السوداء و رائحتها الزكيّة و طعمها السحري سلوى لألمها و ملاذا لآهاتها.. و هي تمرّ من الرواق الفاصل بين غرفتها و المطبخ لاحظت أنّ الساعة الحائطية قد توقّفت عن العمل... أعادت تعديل عقارب الساعة و كأنّها تعيد تلك الفتاة المجنونة الكامنة في خبايا نفسها إلى رشدها...
أسرعت إلى غرفتها قبل أن يداهمها الوقت فتتأخٍّر على عملها الذي لا تملك ملجأ سواه... لقد قرأت في كتاب ما أنّ الشخص العاجز عن إدراك السعادة عليه أن يزيد من ساعات عمله حتى لا يجد وقتا كافيا لإدراك مدى تعاسته... هكذا عليها أن تفعل... إختارت ملابس زهريّة اللون... و كأنّها تفتح أمام نفسها أبواب الأمل التي أوصدتها مواجهتها لماضيها بالأمس... ستقبل على الحياة كما لم تفعل من قبل....
سوف ترتدي ثوب السعادة كما في كل صباح... ها قد وضعت قناع الرضا كما يحدث كل يوم... إستبدلت عبوسها بإبتسامة مزيفة لتظهر بالمظهر الذي تريد للناس أن يروها عليه... أو بالأحرى... المظهر الذي تتمنى أن تكون عليه... سعت... تسعى... و ستسعى إلى أن تكون كما تريد أن تكون... و لكنها تطرح دوما سؤالا يبدو عبثيا " هل عبثا تنشد السعادة؟"... تذكر أنها يوما ما كانت سعيدة أو ربما ظنت ذلك... تذكر أنها يوما ما لم تكن في حاجة على الأقل لتزييف إبتسامتها لأنها كانت نابعة من القلب... أما الآن.... فهي تحاول عبثا الإبتسام... كيف تبتسم و هي تعيش في واقع لا تجيد فك رموزه و لا قراءة لغته... عالم لا شيء فيه يعجبها... عالم مزيف... و أكثر ما يزعجها أنها مضطرة لإدعاء السعادة حتى لا تثير الفضول في شأنها أكثر.... حتى لا يتكرر على مسمعها سؤال"هلأنت بخير؟ "... تصطنع الإبتسامة لتجيبهم قبل أن يسألو" نعم أنا بخير"... يخيفها أن يكتشف الآخرون ما يعتمل في صدرها من آهات... يرعبها أن تظهر بمظهر المهزومة الضعيفة... لذلك تبرر لنفسها إدعاء السعادة و تزييف الإبتسامة... تعلم أنها ستشعر بالمهانة إذا أدرك أحدهم التذبذب الذي أصاب روحها... و القلق الذي يعانيه وجودها... رمقت إنعكاس صورتها في المرآة بنظرة تأمل و كأنها النظرة الأخيرة... نظرة الوداع... فهي تودع نفسها الحقيقية لأنها ستخرج إلى العالم بصورتها السعيدة... المتصالحة مع ذاتها و مع العالم... كم تمقت هذا الحوار الذي يدور بينها و بين نفسها كل صباح.... كم تكره مرآتها لأنها تكشف لها زيف وجودها... هذا الوجود المصطنع الذي يثقل كاهلها... لكنها مرغمة على التعايش معه.... حتى تستطيع معافرة أمواج هذا العالم البذيء....
على نزيف الذاكرة هذا أن يتوقّف و على قطار الحياة أن يمضي... رفعت أصابعها المرتعشة لتمسح دمعة هاربة من مقلتيها... هل تبكي على ماض تركته وراءها فما لبث أن بعث أمامها أم تبكي على حاضر خالته هادئا مستقرّا فعصفت به رياح غير متوقّعة لم تتمكّن من توجيهها و لا التحكّم في قوّتها...
و لكنّها إكتفت من هذه العاصفة الهوجاء... لم تقبل يوما بهزيمتها أمام القدر و لم تنحني أبدا راكعة أمام الألم حتى في أتعس حالاتها... لن تكون إمرأة ضعيفة لأنّ دور الضحيّة لا يليق بها... سوف تنسى لقاءهما و هذا الحوار الذي دار بينهما... ستواصل حياتها من حيث توقّفت... سوف تستعيد رباطة جأشها و ستمضي قدما كما فعلت دوما....
تركت المقهى و هي تغالب دموعها و تعد نفسها بأنّها ستكون أفضل... مرّت بجانبه... إذ كان يقبع في إحدى زوايا الشارع المقابل للمقهى يراقب حركاتها و سكناتها... مرّت دون أن تلحظ وجوده... مرّت بهدوء مدمّر... حبّه لها كالموت البطيء... لقد كان يكذب عندما أخبرها أنّه إنتهى منها و أنّه تخلّص من بقايا وجودها في حياته.... لقد قال ما قاله على سبيل الحماية... حماية نفسه من الهزيمة مجدّدا أمام عينيها... كم هيّ عابثة هذه الحياة... و كم هوّ ساخر هذا القدر... بحث عنها و إختلق ظرفا ملائما كي يلتقيا و تحجّج بالأمسية الشعرية كي يعاود رؤيتها فقط لكي يثأر من الطريقة التي تركته بها... ماذا يريد أن يثبت لها؟ أنّه تجاوز غيابها عنه و لملم جرح الماضي؟ هل أراد أن يجرحها كي يرضي غرور الرجل الشرقي داخله؟ إذا كان هذا هدفه من رؤيتها لماذا يتألّم إذن؟ ها قد خرج منتصرا من معركة الحب و الكبرياء و عليه أن يكون فخورا بنفسه... فقد نجح في رسم نظرة الإنكسار في عينيها و زرع نبرة الإضطراب في صوتها فماذا يريد بعد؟ لماذا يشعر بأنّ الإنكسار الذي لمحه فط عينيها قد دلف إلى قلبه كالسهم مباشرة... لماذا يعجز عن مغادرة هذه الزاوية حتى بعد أن غادرت...
هلّت شمس صباح جديد دلفت خيوط نوره من فتحة الشبّاك... فتحت عينيها و أجالت بصرها في أرجاء الغرفة... إستبدلت وضعية النوم بوضعية الجلوس فرأت إنعكاس صورتها في المرآة... لاحظت إنتفاخ عينيها جرّاء ليلة كاملة من البكاء... رفعت شعرها بكلتا يديها و أعادت إسداله على كتفيها و كأنّها تحرّر أنفاسها المكبوتة فأطلقت لها العنان عبر تنهيدة طويلة المدى... تنهيدة أبلغ من كلّ لغات العالم...
إذن فهي لم تكن تحلم... لقد قادها غباؤها فعلا إلى أن تجعل من نفسها أضحوكة أمامه ليلة البارحة... إنتفضت و تركت سريرها متّجهة نحو الخزانة... فتحت أحد الأدراج بحركة إنفعالية تعبّر عن غضب بركانيّ... أخذت تبحث بين أغراضها عن صندوق إحتفظت فيه ببقايا قصّتها معه... عثرت على الصندوق... أخرجته من الركن الذي كان "مختبئا" فيه.. فتحته... بعثرت محتوياته و أعادت ترتيبها... وقع نظرها على بقايا تلك الوردة البيضاء التي أهداها إيّاها في أولّ موعد بينهما... رمقت تلك الأوراب اليابسة بنظرة حانقة سرعان مل تحوّلت إلى نظرة ألم... لملمت تلك الأوراق و كأنّها تلملم شظايا روحها السقيمة.... وضعتها مع بقية الأشياء في الصندوق... أغلقته و أعادته إلى مكانه و هي تدرك أنّها تحاول أن تتخلّص منه، عبثا، في كلّ مرّة...
مسحت ما تبقّى من دموعها و إتّجهت نحو المطبخ لكي تعدّ قهوتها الصباحيّة لعلّها تجد في قطراتها السوداء و رائحتها الزكيّة و طعمها السحري سلوى لألمها و ملاذا لآهاتها.. و هي تمرّ من الرواق الفاصل بين غرفتها و المطبخ لاحظت أنّ الساعة الحائطية قد توقّفت عن العمل... أعادت تعديل عقارب الساعة و كأنّها تعيد تلك الفتاة المجنونة الكامنة في خبايا نفسها إلى رشدها...
أسرعت إلى غرفتها قبل أن يداهمها الوقت فتتأخٍّر على عملها الذي لا تملك ملجأ سواه... لقد قرأت في كتاب ما أنّ الشخص العاجز عن إدراك السعادة عليه أن يزيد من ساعات عمله حتى لا يجد وقتا كافيا لإدراك مدى تعاسته... هكذا عليها أن تفعل... إختارت ملابس زهريّة اللون... و كأنّها تفتح أمام نفسها أبواب الأمل التي أوصدتها مواجهتها لماضيها بالأمس... ستقبل على الحياة كما لم تفعل من قبل....
سوف ترتدي ثوب السعادة كما في كل صباح... ها قد وضعت قناع الرضا كما يحدث كل يوم... إستبدلت عبوسها بإبتسامة مزيفة لتظهر بالمظهر الذي تريد للناس أن يروها عليه... أو بالأحرى... المظهر الذي تتمنى أن تكون عليه... سعت... تسعى... و ستسعى إلى أن تكون كما تريد أن تكون... و لكنها تطرح دوما سؤالا يبدو عبثيا " هل عبثا تنشد السعادة؟"... تذكر أنها يوما ما كانت سعيدة أو ربما ظنت ذلك... تذكر أنها يوما ما لم تكن في حاجة على الأقل لتزييف إبتسامتها لأنها كانت نابعة من القلب... أما الآن.... فهي تحاول عبثا الإبتسام... كيف تبتسم و هي تعيش في واقع لا تجيد فك رموزه و لا قراءة لغته... عالم لا شيء فيه يعجبها... عالم مزيف... و أكثر ما يزعجها أنها مضطرة لإدعاء السعادة حتى لا تثير الفضول في شأنها أكثر.... حتى لا يتكرر على مسمعها سؤال"هلأنت بخير؟ "... تصطنع الإبتسامة لتجيبهم قبل أن يسألو" نعم أنا بخير"... يخيفها أن يكتشف الآخرون ما يعتمل في صدرها من آهات... يرعبها أن تظهر بمظهر المهزومة الضعيفة... لذلك تبرر لنفسها إدعاء السعادة و تزييف الإبتسامة... تعلم أنها ستشعر بالمهانة إذا أدرك أحدهم التذبذب الذي أصاب روحها... و القلق الذي يعانيه وجودها... رمقت إنعكاس صورتها في المرآة بنظرة تأمل و كأنها النظرة الأخيرة... نظرة الوداع... فهي تودع نفسها الحقيقية لأنها ستخرج إلى العالم بصورتها السعيدة... المتصالحة مع ذاتها و مع العالم... كم تمقت هذا الحوار الذي يدور بينها و بين نفسها كل صباح.... كم تكره مرآتها لأنها تكشف لها زيف وجودها... هذا الوجود المصطنع الذي يثقل كاهلها... لكنها مرغمة على التعايش معه.... حتى تستطيع معافرة أمواج هذا العالم البذيء....
ستواجه ضعفها و تحوّله إلى قوّة... لن تسمح للإنكسار أن يرافقها...
Website Design Brisbane