Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

لعنة الحب الأول #17

incertitude-sentiments-premier-amourManel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر

إذا حاولت الهرب ستبدو مثل المراهقين...ستبدو مهتزّة الشخصيّة و غير قادرة على التحكّم في إنفعالاتها و هي لن ترضى نفسها أن تظهر أمامه بهذه الصورة...لذلك سوف تستجمع ما تبقّى لديها من صلابة و ستستدعي برودة أعصابها نصيرا لها في مواجهة هذا الموقف..رفعت عينيها فرأته مقبلا نحوها...تمنّت أن تركض إليه... أن تحضنه دون إعتبار أي حواجز و أي حسابات...تمنّت لو يتمكّن الجنون منها و أن تحرّر نفسها من حكم العقل... لكنّها كانت و ستبقى عقلانيّة...لا مكان للأهواء في حياتها و لا فيصل بينها و بين نفسها إلاّ المنطق...و المنطق يقول أنّ هذا الرجل أصبح محرّما عليها يوم أصبح زوج إمرأة أخرى و صار له من لدنها طفل...يحمل تفاصيلها و يذكّره بها...إقترب منها..توقّف على مسافة قريبة منها...رمقها بتلك النظرة التي تسحقها...تحيلها رمادا...إبتسم ملئ شدقيه و قال" ممتنّ أنا فعلا للصدفة التي جعلتني أراك مرّة أخرى...كم تمنيّت أن ألتقيك هذا الصباح...هناك الكثير لنتحدّث بشأنه بعد..."

ليته لم يبتسم..و ليته قال في حقّها كلاما جارحا...لو فعل ذلك لكان من السهل عليها أن تتركه و تذهب...لماذا يمتهن عذابها؟ لماذا يسخّر نفسه ليصعّب عليها حياتها ؟ تنفّست بعمق و أجابته " فعلا إنّها لصدفة أن نلتقي اليوم... لقد كنت رفقة أستاذتي المؤطّرة نتناقش حول أوّل فصول أطروحتي و كنت على وشك المغادرة...." هي تدرك جيّدا إعتباطيّة ما قالته للتوّ...فهي تحاول عبثا أن تخفي إرتباكها في حضرته....من المؤكّد أنّه أدرك ذلك...أخفضت نظرها مدعيّة البحث في حقيبتها عن غرض ما لم تكن قد حدّدته حتّى...كانت تمارسه ما يملكه عقلها من قدرة على الإخفاء و التمويه حين داهمها الصغير مناديا والده...أسرع نحوه و أمسك ساقيه و كأنّه شريد في الصحراء عثر أخيرا على سبيله للنجاة...تأمّلته فوجدته جميل المحيّا مثل والده ...حتى أن أغلب ملامحه تدلّ على رابط الدم بينهما...نظر إليها الصغير بدوره نظرة إستغراب و إستنكار و كأنّه يسائلها " من تكونين ؟ و ماذا تفعلين صحبة والدي؟"

كان ينظر إليها في خجل و كأنّه يرى كائنا غريبا قادما من الفضاء...حاولت أن تلاطفه كما تلاطف أي طفل يعترض طريقها أو تلقاه صدفة في أحد الأماكن العمومية...لكنّها لم تتجرّأ على ذلك...فهي لم تكن قادرة على الإدّعاء...إدّعاء أنّ هذا الطفل لا يمثّل خيبة حبّها و إنهيار حالة العشق التي كانت تخال نفسها تعيشها...حاولت أن تبتسم في وجهه...فعلت ذلك بصعوبة بالغة...أنقذها "تيم "  حين حمل إبنه بين ذراعيه و خاطبه بهدوء " ما خطبك صغيري؟ ها أنّي هنا... لم و لن أذهب إلى أيّ مكان دونك...دعني أعرّفك على صديقتي لين... هيا ... بادرها بالتحيّة..." ماذا يفعل هذا المعتوه؟ يدعوها صديقته و يقدّمها لإبنه الرضيع على هذا الأساس ؟

فاجأها صوت الصغير و هوّ يقول بنبرة هادئة و خجولة " مرحبا..." كان بالكاد يتقن الكلام ...لابدّ أنّ غياب أمّه يؤلمه حتى و إن كان لا يدرك ذلك بعد...هي فعلا آسفة من أجله...تحرّكت مشاعر الأمومة داخلها...تلك المشاعر التي تحملها الفطرة لكلّ أنثى قبل حتى أن تنجب...

وجدت نفسها تمسك أنامله الصغيرة و تداعب أنفه...لقد فعلت ذلك تلقائيا...دون تفكير مسبق...إبتسمت قائلة "مرحبا أيّها الصغير...كيف حالك؟ " ... ما كان من " تيم " إلاّ أن وضع الطفل في حضنها... و كأنّه يريد لهذا التعارف أن يتحوّل إلى صداقة بينها و بين إبنه...

لا تستطيع أن تنكر إنجاذبها للطفل رغم إزدواجية مشاعرها تجاهه...فهي على الرغم م ميلها إليه لا تستطيع أن تنسى أنّه إبن  " تيم " من إمرأة أخرى...ضمّت الصغير إلى صدرها و قبّلت وجنته الناعمة ....أمسك بأطراف شعرها ووضع رأسه على كتفها في حركة بريئة جعلت من اللحظة مميّزة...يا لروعة هذا الكائن الصغير...كم تبدو نظراته وديعة و نقيّة....ماذا عساها تفعل أمام تسلّله السريع إلى قلبها؟ لا تستطيع أن تنهره أو أن تبعده عنها و هوّ الذي يخاطبها بلغة لا تفهمها إلاّ النساء...كان"تيم " ينظر إليهما في سعادة غامرة...لقد إنتظر هذا المشهد كثيرا...أمّا هي..فقد إنساقت وراء التاثير الخرافي لمشاعر الأمومة الفطرية و تمنّت أن يبقى الصغير في حضنها...و كأنّه جزء من كيانها...لكن...عليها أن تستدرك أمرها قبل فوات الأوان...فلا " باسل " إبنها " و لا " تيم " زوجها...

سلّمت الصغير إلى والده و أخبرته أنّها وعدت أمّها بأن تصطحبها لزيارة هند ووليدها و عليها أن تغادر...كان يخطّط لدعوتها على العشاء و لكنّها قطعت الطريق أمامه....من البيّن أنّها تهرب منه مرّة أخرى...أخذ إبنه منها و تمنّى لها وقتا سعيدا رفقة والدتها و تركها تغادر في سلام دون أن يدرك الحرب التي تتسبّب فيها رؤيتها له، في كلّ مرّة ،بين قلبها و عقلها....أسرعت مهرولة إلى الخارج و هي تقاوم رغبتها في الإلتفات وراءها لإلقاء نظرة أخيرة عليهما...

خرجت من المقهى و كان من المفترض أنّها وصلت برّ الأمان...فجأة... ودون سابق إنذار... عادت أدراجها...دفعت الباب الزجاجي و دلفت إلى الداخل متجهّة نحو الفناء...حيث يجلسان...رآها فترك مقعده دون تردّد...إزدادت سرعة نبضه و شعر بجفاف في حلقه...تراها عادت تطلب منه أن لا يظهر أمامها مجدّدا ؟ هل ستطالبه بتجاهلها إن رآها مصادفة؟ قطعت حبل تكهّناته المتوتّرة بقولها " لقد عدت لأخبرك أنّي و صديقة لبنانيّة نعتزم تأسيس جمعيّة تعنى باللّغة العربيّة و قد إخترنا لها إسم "أصدقاء الضّاد "....ربّما يروقك الأمر و تودّ الإنضمام إلينا..." آخر ما كان يتوقّعه منها أن تمدّ بينهما جسرا جديدا للتواصل...هل يعني ذلكأنّ نهاية القصّة لم تكتب بعد أم أنّها تكرم ما جمع بينهما من صداقة قبل أن يلمّ بهما العشق ؟ لقد قلبت دعوتها هذه كلّ الموازين...سيجعل من هذه الدعوة بداية جديدة لهما...

ودّعته على أمل لقاء قريب و هي لم تستوعب بعد أيّ الحماقات إرتكبت...أين كانت رجاحة عقلها حين عادت إليه تحت تعلّة الجمعيّة ؟ مجنونة هيّ فعلا... يبدو أنّ شقيقها لم يخطئ حين لقّبها بغريبة الأطوار... ضحكت من صميم قلبها... لقد إشتاقت لرنين ضحكتها الطفولية... يغمرها الفرح رغم أنّ عقلها غير راض على ما فعلته... تدرك أنّها على حادت عن الصواب و لكنّها تشعر بالسعادة و الرضا... فهي ستراه مجدّدا... حسبها أنّها ستعاود رؤيها... يكفيها ذلك و من بعد فليكن الطوفان....
وصلت المنزل فوجدت أمّها ساجدة في صلاتها... تعلم جيّدا أنّها تطلب من الله أن ييسّر أمرها و يحفظها هي و أخويها و أن يحفظ عائلتهم الصغيرة من كلّ شر...

قصدت المطبخ و أعدّت لنفسها قدحا من شراب الموكا الدافئ المنكّه بطعم القرفة و بعض شرائح الزنجبيل.... هي فعلا في حاجة إلى مثل هذا الشراب...فأوائل كانون الأوّل تحمل لروحها صقيعا موجعا و كأنّه يبنبئ بنهاية ما... تناولت شرابها بعناية و كأنّها تخشى أن يهجرها كما هجرتها الطمأنينة و إتّجهت نحو غرفة المعيشة حيث تجلس أمّها...إتّخذت لنفسها مكانا على أريكتها المفضّلة قبالة أمّها...فأدركت الأخيرة و منذ الوهلة الأولى أنّ في جعبة إبنتها حكايا... إبتسمت إبتسامة حكيمة و قالت " ها أنّي أنتظر لسماع ما تريد صغيرتي البوح به... هيّا أطلقي العنان للسانك كي يحدّثني بما يراود نفسك يا إبنتي..." كم  تدهشها حكمة أمّها و كم تبهرها قدرتها الهائلة على فكّ شيفرة عينيها... أحكمت قبضتها على القدح الذي تحمله بين يديها... إعتدلت في جلستها و إستهلّت كلامها قائلة " أمّي.... ما رأيك في الحكمة التي تقول بأنّ ماضينا يعود دوما للظهور أمامنا؟ أتظنّين حقّا أنّ لا حبّ إلاّ الحبّ الأوّل ؟ " ...
تركت أمّها أطراف اللحاف الذي وضعته على ركبتيها... وضعت يديها على طرفي الأريكة و قالت " هل قابلت تيم مرّة أخرى عقب الإنفصال ؟ بعد كلّ هذه السنوات ؟ هل كان وراء دموعك المنسكبة تلك الليلة ؟ "....


منال عبد الوهاب الأخضر

لعنة الحب الأول #17