Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

ركين #28

manel-abdelwaheb-rakinManel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر


مضت أربع و عشرون ساعة على إقامة ركين في غرفة الإنعاش بمشفى المدينة ، فقد إستنشقت الكثير من الدخان الذي عطّل وظيفة التنفّس الطبيعي لديها... أربع و عشرون ساعة لم يغادر خلالها آسر المشفى و لم يبارح مكانه... حتّى أنّه كان ينام جالسا على الكرسيّ في غرفة الإنتظار...لم يابه بما يحمله من حروق و لا بحاجته الملحّة للراحة...

كلّ ما كان يشغله هوّ صحّة ركين... كانت حليمة أيضا مرهقة بقدره و لكنّها كانت سعيدة بنجاة صغيرتها و لأنّ الحياة قد منحتها و آسر فرصة أخرى ليكونا معا...أمّا رجب في كان في حالة إحتقان و غضب هائلة...

فما خطّط له لم يتحقّق و لم تمت طليقته...لم تمت المرأة التي طعنت رجولته الشرقية أكثر من مرّة...فهوّ لم يستوعب بعد أنّ ركين الطفلة التي تزوّجها قصرا نجحت في حماية نفسها منه و هربت من جحيمه قد كبرت و أصبحت شابّة تواجه ظلم أمثاله و تثابر من أجل حقّ فتيات القرية في التعليم... لا يستطيع أن يمتثل للأمر الواقع... واقع أنّ إمرأة هزمته... هوّ الرجل القوّي الغنّي المتسلّط...

لقد وصل به الأمر إلى حدّ التخطيط لقتلها... و لن يثنيه عن هذا الأمر إلاّ موته.... كان يردّد بينه و بين نفسه أنّه سيقضي محكوميته و يخرج لكي يضيقها الأمرّين...فالحقد الدفين على النساء ليس بغريب عنه... لقد سبق و دمّر حياة إمرأة و دفعها إلى الإنتحار..و لن تقف أمامه الخزّافة إبنة الخزّافة... حتّى و إن كان يضمر لها شيئا من الحبّ إلاّ أنّه لن يغفر لها أنّها كسرته و تعدّت على كبريائه حين خرجت عن سلطانه و تمرّدت على قوانينه الذكورية...هكذا كان يبرّر لنفسه ما يريد إقترافه بحقّها...رجب... شخصيّة مركّبة... يعجز هوّ ذاته عن فهم نفسه... فقد أحبّ إمرأة في بداية شبابه... أحبّها حدّ الثمالة...و عاش معها أقصى درجات العشق...تحدّيا المجتمع الريفي و تقاليده و لم يعيرا الفوارق الإجتماعية إنتباها... فقد كان هوّ إبن"شيخ التراب" في حين كانت هيّ فكانت فلاّحة بسيطة تعمل في حقول غيرها كي تكسب قوت يومها... رآها و هيّ تجمع محصول الذرة في حقول أبيه فأغرم بها... لم يكن حينها سيّئا و لم يكن يكره النساء...كان شابّا عاشقا يروم السعادة رفقة المرأة التي يحبّ...

و لكنّه لم يكن قادرا على مواجهة غضب أمّه منه حين عرفت أنّه على علاقة بفلاحة فقيرة...أمّه التي كانت تفتخر بإنتمائها إلى أغنى عائلات القرية و زواجها من "شيخ التراب" الذي كان نافذ السلطة شأنه في ذلك شأن والدها و إخوتها....و ما كان من تلك المرأة المتعجرفة إلاّ أن منعته من الزواج من حبيبته...بل جعلته يظنّ أنّها متسلّقة وصولية لا ترى فيه سوى ثروته و جاهه... تركها و بعد قرابة السنة ماتت المسكينة و لم تسمح له والدته حتّى ببكائها... فقد زرعت في ذهنه أنّها تستحقّ الموت و أنّ النساء مثيلاتها يعاقبهنّ اللّه لأنّهنّ يقمن بإستغلال جمالهنّ للإيقاع الرجال الأثرياء في شرك غرامهنّ... وتحوّل رجب العاشق إلى رجب الحاقد على النساء و خاصّة الفقيرات منهنّ...

ربّما كان من الأجدى أن ينسى ركين بعد مضي كلّ هذا الوقت على خروجها من حياتهو لكنّه لم و لن يفعل و لن يرتاح قبل أن يعاقبها على تحدّيها له في الماضي و في الحاضر...ركين التي كانت تتماثل إلى الشفاء...و ما إن أذن الطبيب المباشر لحالتها بخروجها من غرفة الإنعاش حتى إلتقت بخالتها حليمة التي أخبرتها بأنّ آسر هوّ من أنقذها و أنّه لم يغادر المشفى إلاّ عندما علم أنّها ستغادر غرفة لطوارئ نحو غرفة عاديّة... حينها فقط أذن لنفسه بقسط من الراحة و متّسع للإستحمام و تغيير ملابسه... لم تكن ركين قادرة على منع نفسها من الإبتسام و هيّ تفكّر في ما حدث...ففي الوقت الذي كانت فيه تفكّر بطريقة مناسبة للإتّصال به ... في الوقت الذي كانت تتعسّف فيه مرّة أخرى على مشاعرها كان هوّ في طريقه إليها...مضى الكثير من الوقت أو هكذا خيّل إليها قبل أن يطرق باب غرفتها....و كان هوّ الطارق...و قد كان يحمل بين يديه باقة ورد... إنّه التوليب مرّة أخرى..

ها أنّه يأتي إليها حاملا باقة ملوّنة من ورد التوليب... تقدّم نحوها و هوّ يبتسم إبتسامة كفيلة بإعادة الميّت إلى الحياة...إنحنى و قبّل جبينها واضعا باقة الورد في حضنها ثمّ قال" يهدى التوليب الملوّن إلى ذات العيون الجميلة و أنا لم أر في حياتي أجمل من عينيك العسليّتين... لقد خفت عليك كثيرا... حمدا للّه الذي حفظك من أجلي و من كلّ من يحبّك "....

كانت في حالة من الفوضى من الداخلية...تتقاذفها أمواج مشاعر مضطربة... فهيّ مصدومة لأنّها تقريبا فقدت قدرتها على الكلام حين رأته ماثلا أمامها و هيّ سعيدة لأنّه إعترف ضمنيّا، مرّة أخرى أنّه يحبّها... و هيّ خجلة لأنّها لا تملك من الكلمات ما يعبّر عن حقيقة ما يجتاحها من أحاسيسها تختبرها لأوّل مرّة في حياتها... كانت ترتعش و هيّ تضمّ باقة التوليب إليها و تحاول نظم بعض العبارات كي تجعله يدرك أنّه يعني الكثير بالنسبة إليها...كان يراقبها في صمت و هوّ يعلم أنّها تستجمع نفسها كي تتكلّم... فقد كان جليّا بالنسبة إليه أنّها تبادله نفس المشاعر... لم يتكلّم حتى لا يزيد إرتباكها...

إستأذنها في فتح النافذة و حين كان يرفع الستائر تناهى صوتها الرقيق الذي لم يزل متعبا بعد " حين كنت طالبة في الجامعة... في كليّة الفنون الجميلة... قرأت في درس تاريخ الفنون عبارة لفون غوغ أرفق بها إحدى لوحاته تقول - قد توجد نار عظيمة في أرواحنا لكن لا يأتي أحد ليتدفّئ بنا و من يمرّون بنا لا يرون إلاّ خيطا رفيعا من الدخان- ببساطة هكذا كنت قبل أن أعرفك... لا تتركني مرّة أخرى مهما حدث"... تسمّر في مكانه فقد نفذ كلامها إلى قلبه فإزدادت شعلة ولهه إليها...إستدار نحوها و أسرع الخطى إليها و عانقها بقوّة و كأنّه يحاول صهرها فيه و همس في أذنها " لن أتركك أبدا بعد الآن...لن أتركك ففي تركي لك ترك للحياة..."....

يتبع

منال عبد الوهاب الأخضر
Saveركين #28