Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

ركين #27

manel-abdelwaheb-rakinManel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر


نجح عمّال البناء في إخماد الحريق في المحيط الخارجي للورشة و فتحوا الباب الذي علق بسبب النار الملتهبة و لكنّهم فوجئوا بألسنة اللهب تتصاعد و تزداد قوّة في الداخل... حتّى أنّها حالت بينهم و بين ركين التي سقطت مغشيّا عليها بعد أن إمتلأت رئتاها دخانا...

كانت حليمة في حالة يُرثى لها و هي ترى آخر أمل لها في الحياة، إبنة قلبها في خطر مُحدق... أمّا الصغيرة أمل فقد تملّكتها حالة هستيرية من البكاء خوفا على أمّها التي إحتضنتها و أعادت إليها السعادة التي خالت أنّها غادرتها إلى الأبد، و أصبحت لديها عائلة بعد أن كانت مجرّد رقم على لوائح وزارة الشؤون الاجتماعية... كان الجميع في حالة ضياع بين ضرورة إنقاذ ركين و إستحالة الوصول إليها بسبب إرتفاع ألسنة اللهب... كانت حليمة تحاول الوصول إلى الداخل و الحضور يمنعونها من ذلك حين دلفت إلى الممرّ المؤدّي إلى الورشة، سيّارة بيضاء... إنٍّها سيّارة آسر الذي قاده حدسه إلى القدوم دون سابق إنذار

فوضع كبرياءه جانبا لأنّه كان يشعر أنّ خطبا ما بصدد الحدوث... و ها أنّ حدسه قد صدق... من الواضح أنّ هناك بأسا ما وراء هذا التجمّع حول ورشة ركين... ترجّل عن السيارة ليدرك أنّ حريقا هائلا قد شبّ في المكان... سارع خطاه إلى أن أدركت عيناه الخالة حليمة التي إرتمت في حضنه باكية حالما رأته... كانت تبكي طالبة منه أن ينقذ ركين و أن لا يتركها لهذا المصير المظلم المجحف... كان يشعر بروحه تحترق و لكنّه كذلك كان يشعر بضيق الوقت الذي يداهم حياة ركين القابعة هناك... بين ألسنة اللهب... ربّت على كتف الخالة حليمة و صرخ طالبا أن يحضرله أحدهم لحافا صوفيا مبلّلا و سرعان ما لُبيّ طلبه... لفّ نفسه باللحاف الصوفي المبلّل و إستدار نحو حليمة و خاطبها قائلا" أُطلبي من الله أن يساعدني على إنقاذها... إذا حدث و خرجنا سالمَين من الحريق، أعدك أنّني لن أتركها مجدّدا... لن أترُكها ما حييت "... قبّل جبين حليمة و إندفع بنفسه بين الجمع الغفير إلى أن أدرك طريقه نحو مدخل الورشة... دخل وسط الحريق محاولا حماية وجهه بذراعيه إلى أن رآها ملقاة على الأرض... وراء آلة صنع الخزف التي حاولت الإحتماء بها قبل أن يخنقها الدخان و تفقد وعيها... إقترب منها و حاول إيقاظها دون أن يُفلح في ذلك فوجد أنّ ما من حلٍ أمامه سوى أن يحملها و يخرج بها قبل أن تصل ألسنة اللّهب إليهما و تلتهم ما تبقّى من المكان... في الأثناء، وصلت سيّارة الحماية المدنية و بدأ أعوان الإطفاء بتوجيه خراطيم المياه الضخمة نحو الورشة المُحترقة... نزع عنه اللحاف المبلّل و لفّها به ثمّ حملها مُتّجها نحو الخارج و ما إن وصلت إلى الباب الخارجي حتّى كان الحريق قد خفّ و بدأت ملامح الإنفراج تظهر على وجوه الجميع... تسلّمها منه أحد أعوان الحماية المدنية بعد أن وضعها على نقالة الإسعافات الأولية... لاحظ أحد المسعفين أن آسر بدوره

يعاني بدوره بعض الحروق من الدرجة الأولى على مستوى ذراعيه و جبينه... تلقى الإسعافات اللازمة دون

أن يزيل نظره عنها... كانت ممّدة دون حراك... لا حول لها و لا قوّة و قد وضع على وجهها الجميل جهاز التنفّس الإصطناعي... كان ينظر إليها نظرة توسّل أن عودي إلى وعيك لنستأنف الدرب سويّا... سيهديها كلّ يوم باقة توليب من لون مختلف... سيلازمها كظلّها و لن يتراجع عن قراره مهما حدث... لطالما آمن بالرسائل الربّانية و هوّ يدرك جيّدا أنّ ما حدث اليوم ليس سوى إشارة من السماء... إشارة إلى كبرياء الرجل الشرقي خاصّته حتّى يكفّ عن التعسّف على قلبه... و ها قد وصل مضمون الرسالة إليه... لن يسمح

لأي ظرف أن يبعدهما عن بعضهما بعد اليوم... لن يكترث منذ الآن للأسباب و لا للنتائج.... حسبه أن يكونا معا و بعد ذلك فليكن الطوفان.... في الطرف المقابل.... كان رجب ينتظر زيارة أحد رجاله له من خلف القضبان كي يبشره بنجاح المهمّة... مهمّة حرق ركين التي حرقت قلبه و أهانت رجولته يوم تركته و أعادت حرقه حين تسبّبت في حبسه...


يتبع

منال عبد الوهاب الأخضر

Saveركين #27