Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

ركين #26

manel-abdelwaheb-rakinManel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر


فتحت الرسالة و نبضها يتسارع و دقّات قلبها تكاد تكون مسموعة... إستجمعت أنفاسها المتقطّعة و إسترسلت في قراءة ما إحتوته كلماته : " ركين... إمرأة التوليب خاصّتي، أعلم
جيّدا أنّك ستكونين غاضبة جدّا و أنت تقرئين هذه الرسالة و أدرك كذلك أنّني أحمق لأنّي تركتك بعد أن وجدتك بشقّ الأنفس...ربّما تستغربين هذا التناقض الذي يحكم تصرّفاتي و ربّما أيضا ستعتبرينني مجرّد غبيّ مهتزّ الشخصية غير قادر على تحديد أولوياته... أنا لست كذلك، أنا فقط إنسان يحمل معه جرح الماضي إلى ما لا نهاية،

جرح طفولة مسروقة و أب إختطفه مني الموت... أب تركني مجبرا و الحال أنّي كنت و مازلت في أمسّ الحاجة إليه... أنا رجل عاشق... أجل أنا كذلك..أنا رجل خبّأ قلبه منذ سنوات شبابه الأولى في إنتظار إمرأةإستثنائية تقلب موازينه و تنحت كيانه من جديد... رجل سلّم مقاليد حكم فؤاده إليك و أصبح أسيرا لعينيك العسليتين و خصلات شعرك البندقي منذ لمحك أوّل مرّة و أنت تقطعين الشارع نحو بائعة الورد في مكسيكو، أنا رجل يلتهم ماضيه حاضره.... أنا بالفعل كذلك... أُعذري جبني الذي قادني إلى الهرب من منزلك.. و لكنّي لا أهرب منك بل أهرب من آلامي المختبئة في كلّ ركن من أركان تلك القرية اللعينة... أهرب من ذكرى أيّام كنت فيها ضعيفا، مهزوما تركته الحياة عندما رحل والده عنها... والده الذي كان يرى الدنيا من خلال عينيه... ربّما أكون قد هربت من قرية كفّ الصبّي و لكنّي لا أنوي البتّة أن أهرب منك... كيف أهرب منك

و أنا الذي بحثت عنك بإستماتة... كنت أبحث عن صورتك في كلّ إمرأة تعترض طريقي في ممرّات مغامرة الحياة قبل أن أعرفك... و أضحيت أرى فيك كلّ النساء بعد أن إلتقيتك.... حتّى أنّي لم أكن أؤمن بالقدر و لكنّي اليوم أصدّق فعلا أنّ الأقدار تصنع الأهوال... ركين... لإسمك وقع مميّز على سمعي و عزف سحري على أوتار قلبي... أرجو أن تغفري لي جبني مرّة أخرى... أنا في إنتظارك... لن أغادر العاصمة... سأبقى هناك على أمل أن نعيد إحياء وميض النور الذي وُلد بيننا ليموت بفعل جراح الماضي قبل حتى أن يعيش... أعدك بباقة أخرى من التوليب... على أن يكون توليبا أحمر هذه المرّة... آسر ".....

ما إن إنتهت من قراءة أسطره حتى إزداد إرتعاش أطرافها... إذن

هوّ لم يهرب منها بل هرب من هذا المكان

الذي يعيد حبسه في قمقم الماضي اللّعين... ماذا عساها تفعل الآن؟

هل علينا أن تقصد العاصمة بحثا عنه أم عليها أن تُهاتفه؟ لا... لن تفعل لا هذا و لا ذاك... فهي لم تزل غاضبة منه بعد... ستكتفي بإرسال رسالة نصيّة قصيرة تسأل فيها عن أحواله... تركت مقعدها و أخذت تقطع محيط الورشة ذهابا و إيّابا و هيّ تقضم أظافرها... هيّ الآن عالقة هناك... بين الفرح و الحيرة و الغضب... ينتابها الفرح لأنّه إعترف بطريقة أو بأخرى أنّه يراها كما لم يرها أحد غيره... تسكنها الحيرة لأنّها لا تستطيع أن تدرك الطريقة المناسبة التي عليها التصرّف وفقها... يتملّكها الغضب: غضب منه لأنّه لم يواجهها بمخاوفه و غضب من نفسها لأنّها لم تقرأ الرسالة منذ اليوم الأوّل... مرّرت أطراف أناملها على أسفل ذقنها و إرتسمت على وجهها إبتسامة مبهمة شأنها شأن فوضى المشاعر التي تجتاحها... همّت بالعودة إلى العمل... فقد
تحرّكت في رأسها العديد من الأفكار بعد أن قرأت رسالة "آسر"...

جلست إلى آلة الخزف خاصّتها و أخذت تشكّل مزهريات صغيرة من الطين و هيّ تفكّر في باقة التوليب الأحمر التّي وعدها بها حبيبها الأحمق... كانت منغمسة في العمل حين إنتشرت في أرجاء المكان رائحة حريق... و بدأ الدخان يتسلّل من أسفل باب الورشة... إنّه حريق فعلا... إقتربت من الباب الخشبي فإعترفت أصابعها بمجرّد أن حاولت فتحه و سرعان ما تهاوى الباب بفعل النار التي دبّت في المكان فكادت تحيله إلى هشيم... حاولت الخروج و لكنّها لم تستطع تجاوز ألسنة اللهب التي عمّت الأرجاء... سدّت أنفها عن الدخان... حاولت أن تقاوم و لكن رئتيها إمتلأتا دخانا و بدأت أنفاسها تضيق... حاولت أن تتماسك إلى أن تصل إلى هاتفها كي تستنجد بالخالة حليمة و لكنّها سقطت مغشيا عليها قبل أن تتمكّن من ذلك.... كانت تحاول أن تفتح عينيها حين تراءى لها جمع من عمّال البناء يتدافعون نحوها لإخراجها من الحريق... بدأت الأصوات تخفت من حولها و ما عادت قادرة على التنفّس... أغمض عينيها و إستسلمت لوهن بدنها... أغمضت عينيها و إذ بصورة أمّها تقترب منها فاتحة ذراعيها و تطلب منها أن تغمرها...


يتبع

منال عبد الوهاب الأخضر

ركين #26