إنحنت تعانق الخالة "حليمة" و هي تقاوم شهقة البكاء التي كادت تتمكّن منها... شدّت عليها و هي تحضنها...بادلتها زوجة خالها حرارة العناق...راودهما الإحساس ذاته...ذاك الإحساس الذي يزورنا حين نلتقي شخصا طال غيابنا عنه و لكنّنا نشعر و كأنّ الزمن قد توقّف عند آخر لقاء... و كأنّ السنون لم تمض و النفوس لم تتغيّر و الملامح بقيت على حالها... هكذا شعرت "ركين" حين وقع نظرها على الخالة "حليمة"...
سرعان ما لملمت شتات نفسها و حبست دمعها و جلست بجانبها.... رسمت قبلة عرفان بالجميل على جبين المرأة التي خلقت لها فرصة جديدة للحياة حين ساعدتها على الهرب من مستنقع العبودية الذي كادت تغرق فيه... لاح في أفق نظرها وسط الدار فعادت بها الذاكرة إلى تلك الفترة حالكة السواد التي أمضتها سجينة في هذا البيت... تذكّرت أنّها كانت تتسلّل ليلا، بمعيّة الخالة "حليمة"، إلى الخارج حتى تشاهد النجوم و هيّ تتلألأ في كبد السماء... كما كانت تفعل رفقة والدتها قبل أن ينقضّ عليها شبح الموت اللّعين...