Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149
ركين #4
في طريق عودتها إلى الفندق الذي تقيم فيه رفقة مساعدتها، بقيت تستعيد حديثها مع ذاك الغريب الذي أنست نفسها رفقته...آسر...صديقها الجديد....دلفت إلى غرفتها...نزعت عنها حقيبتها و ما كانت تتزيّن به من إكسسوارت...
وقفت أمام المرأة تتأمّل وجهها...رفعت يدها تمسك بخصلات شعرها القصيرة...شعرها الذي كان ذات يوم كثيفا...يتعدّى طوله كتفيها و يصل إلى أسفل ظهرها...عادت بها الذاكرة إلى اليوم الذي قرّرت فيه أن تقصّه...ذاك اليوم الي قرّرت فيه أن يتمخّض وجودها عن كيان جديد...
مخاض أوجد " ركين " مختلفة عن تلك الفتاة اليتيمة التي وضعتها الظروف تحت رحمة رجل لا يمتّ للإنسانية بصلة...رجل كان من المفترض أن يعوّضها فقدانها لوالديها...ذاك الذي إصطلحت الجماعة على تسميّته " خالا " خلى بها و باعها كما كانت النساء تباع قديما في سوق النخاسة...أجل باعها لرجل يكبرها بثلاثين سنة تحت مسمّى الزواج... إغرورقت عينيها دمعا و هيّ تتذكّر زغاريد نسوة القرية من حولها و هنّ يزيّنها من أجل زوجها الثريّ... يضعن الحنّة في كفيّ يديها و قدميها...يرششن شعرها بماء الورد و يزينّها بالحليّ...ذاك الحليّ الذي كان يخنقها كما تخنق الأغلال السجين...كانت تشعر، حينها، أنّها قربان يعدّ لوهبه إلى إلاه ما...
كانت ترى موتها قادما يزحف إليها رويدا رويدا....كانت ترتجف كورقة في مهبّ ريح خريفية قاسيّة مجحفة ... تذكر جيّدا نظرات الأسف في عيني زوجة خالها... تلك المرأة كانت الشخص الوحيد الذي يرأف بها....كانت تختلس وقتا من الليل...حين يخلد زوجها الوحش إلى النوم كي تجالسها...كي تطعمها و تحدّثها عن والدتها المتوفّاة...حدّثتها زوجة خالها ذات مساء عن معاناتها...أجل فهي لم ترغب في إتّخاذ رجل قاس زوجا لها و لكّنها أجبرت على ذلك... حدّثتها عن ألام إنسانة ذنبها الوحيد أنّها أنثى في مجتمع ذكوري يرى في الأنثى مجرّد وعاء لللّذة...آلة للإنجاب....خادمة لوالدها و إخوتها ثمّ لزوجها و من بعده لأبنائها... كانت زوجة خالها إمرأة أميّة...بالكاد تكتب إسمها و لكّنها كانت تعي جيّدا أنّها تعاني إقامة جبريّة مع رجل لم و لن تحبّه...قد أسرّت لها ذات جلسة من جلساتهما السريّة أنّها تحمد الله الذي لم يرزقها أبناء من زوجها الكريه... تراها مازالت على قيد الحياة ؟ آه من هذه الذاكرة التي لا يتوّقف نزفها...آه من هذا الماضي الذي لا ينفكّ يزحف إلى حاضرها...ليت الحياة تمنح كلاّ منّا ممحاة و قلم رصاص...ممحاة نمحي بها ما نشاء من ذكريات مؤلمة...أجداث مزعجة و آهات تقلق راحتنا...و قلم رصاص نكتب به حاضرنا الذي إذا إستحال ماضيا مشوّها ، أصبح بإمكاننا أن نمحوه و أن نعيد كتابته... على هوانا...
أبعدت أصابعها عن أطراف شعرها و كأنّها تأمر الذكريات الأليمة بأن تكفّ عن الخفقان...جلست على طرف السرير و تناولت حقيبتها...فتحتها و أذت تتأمّل بطاقة تحمل عنوان إستوديو التصوير الخاص ب"آسر "....لاحظت أنّه دوّن رقم هاتفه على ظهر البطاقة... إبتسمت في هدوء و أعادت البطاقة إلى الحقيبة و نهضت تبحث عن مزهريّة تضع فيها باقة التوليب التي إقتنتها لنفسها... وضعت المزهريّة في زاوية من زوايا الغرفة ثمّ تناولت مذكّرتها كي تخطّ فيها بعض الخواطر...فتحت المذكّرة فواجهتها صورة والديها...صورة زفافهما...الصورة الوحيدة التي بقيت لها بعد أن أحرق زوجها الأخرق اللعين كلّ أغراضها إنتقاما منها... كادت تكتب و لكنّ الأمر لم يعد يرق لها... بمجرّد أن تذكّرت ملامح ذاك الرجل...ضاقت أنفاسها و راودها الغثيان...كم تشمئزّ من وجودها حين تعود إلى تلك الأيّام المظلمة التي عاشتها...دقّ باب الغرفة فإنقشعت غيمة الماضي السوداء عن سمائها...فتحت الباب فإذ بالطارق أحد موظّفي الفندق يحمل لها باقة من زهر التوليب...لكنّه توليب أبيض هذه المرّة...من يكون مرسلها ؟ هل تتلقّى باقتين من التوليب في نفس اليوم صدفة ؟
Website Design Brisbane