Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

ركين #5

novel-love-arabicManel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر


أخذت باقة التوليب الأبيض من موظّف الفندق و شكرته بلغته... أصلا هي لا تفقه من لغة هذا البلد سوى لفظ Gracias... هذا اللفظ الذي يدلّ به المكسيكيون على شكرهم و إمتنانهم... أغلقت الباب و تناولت البطاقة التي كانت مثبّتة في طرف الباقة... إبتسمت كما لم تفعل منذ زمن بعيد...لقد كان هوّ... " آسر "...مرسل الباقة ... ها قد كتب مخاطبا إيّاها " لقد نسيت أن أخبرك أنّ زهر التوليب يتكلّم لغة ساميّة...لغة تخاطب المرأة الجميلة...

إنّها لغة قواعدها الألوان و بلاغتها حسن الإختيار و التنسيق...لغة تفهم في كلّ بقاع العالم و أصقاعه...أهديك باقة التوليب الأبيض و أنا أرحّب بك في مكسيكو و في عالمي...أتمنّى أن تقبلي صداقتي"... مرّرت أطراف أناملها على الكلمات المخطوطة على البطاقة و إتّسعت إبتسامتها... لأوّل مرّة في حياتها تتلقّى هديّة كهذه... لأّوّل مرّة في حياتها تشعر بنشوة نابعة عن شعورها بالأنوثة... عادت إلى الحقيبة تبحث عن رقم هاتفه...

فمن أصول اللّباقة أن تتّصل و تشكر على هديّته الجميلة و ترحيبه الأنيق بها... أنهت الإتّصال الذي كانت إبتسامتها تتّسع مع مرور كلّ دقيقة يتبادلان الحديث خلالها... أغلقت الهاتف بعد أن وافقت على دعوته لها لزيارة الأستوديو الخاص به... كادت تضع الهاتف جانبا حين وقع نظرها على تاريخ اليوم... الخامس عشر من كانون الثاني...هذا التاريخ الذي ما إنفكّت تتفادى تذكّره...

ما لبثت منذ إنبلج فجر هذا اليوم تحاول أن تنسى أنّه بهذا التاريخ.... وضعت كفيّها على وجهها مانعة دمعها من الإنهمار...فقد عاهدت نفسها أن لا تبكي...كفاها بكاء... عادت إليها ذكريات مضت عليها السنون...بيد أنّها لم تمحيها و لم تخفّف من حدّة وقعها على روحها... قفزت صورتها ، و هيّ ذليلة ...ضعيفة... يسكنها الحزن بعد فراق والدتها ، أمام عينيها...تذكّرت اللحظة التي ولجت فيها بيت خالها " محمود "... بمجرّد عودتها إلى تلك اللحظة .... إختنقت و ضاقت أنفاسها... أخذت تدلّك وجنتيها بكلتا يديها و كأنّها تحاول الخروج من قمقم الماضي اللّعين....الماضي الذي تكبّلها أغلاله...يضغط على أنفاسها و يأخذ كلّ فرصها للنجاة من ألم الروح... تشنّجت عضلات فكّها و هيّ تمنع صوتها من الخروج في شكل صرخة...تذّكرت وجهها الشاحب و حقيبة ملابسها التي كانت تتشبّث بها و كأنّها تحتمي وراءها... تذّكّرت أصابع خالها الخشنة التي كادت تطحن يديها الصغيرتين الناعمتين و هوّ يقودها غصبا إلى داره... كان ألمها مضاعفا... كانت تتقطّع وجعا لفقدان أمّها ...و باتت تختنق لأنّ حاضرها ، و ليس فقط مستقبلها، أصبح ضبابيا... مثلت أمامها صورتها و هيّ تقف مذهولة في عتبة بيت خالها...هناك ... أين إستقبلتها وجوه عابسة...تعيسة....تكاد تخلو من أيّ علامة للحياة...هناك ...أين لم تبتسم في وجهها سوى "حليمة"...زوجة خالها الطيّبة....لم و لن تنسى كيف أخذت بيدها و دلفت و إيّاها إلى إحدى الغرف... مسحت دمعها المنسكب بأصابعها النحيلة و إحتضنتها... و كم كانت في حاجة حينها إلى مثل ذلك الحضن.... جلستا على طرف السرير دون أن تترك "حليمة" يدي "ركين"....صورة لن تمحى من ذاكرتها طالما تسكنها الحياة أنفاسها... حينها خاطبتها خالتها "حليمة"، كما إعتادت مناداتها ، قائلة " صغيرتي الجميلة الناعمة، مازلت صغيرة على هذا الهمّ الذّي حمّلتك إيّاه الأقدار... أحزن عليك كثيرا عندما أستوعب أنّك ستعيشين هنا... في هذا السجن...و لكنّي أنظر إلى الجانب المشرق...

فبقدومك لم أعد وحيدة على الأقّل "....لقد كانت " ركين " في ذلك الوقت في قمّة ضياعها...تلك الفتاة التيّ أتمّت ، بالكاد ، سنتها الرابعة عشر...كانت مصدومة بعد من فاجعة موت أمّها... لكّنها تذكر جيّدا أنّ كلام " حليمة " خفّف مصابها قليلا..فهيّ الوحيدة ، في ذلك المنزل، التي إبتسمت في وجهها... و هّي الوحيدة التي كلّفت نفسها عناء الحديث معها...لقد كانت إمرأة شابّة... يافعة...في آخر العقد العشرين...كانت جميلة... و لكنّها لم تكن حرّة....لقد أسرت أنوثتها و إستعبد وجودها مذ قرّر أهلها تزويجها من " محمود "...ذاك الرجل المتحجّر... متصلّب الفؤاد... قاسي القلب...زوّجوها منه دون رغبة منها...منعوها من مزاولة تعليمها الثانوي و حطّموا كلّ آمالها، أحلامها و طموحاتها...لقد رقّ قلب "حليمة" مذ دلفت "ركين" باب المنزل لأنّها كانت ترى فيها نفسها...و ما كانت تتمناه من صميم قلبها هوّ أن تستطيع مساعدتها...مهما كانت المساعدة بسيطة...و هذا ما حدث فعلا... فلولا "حليمة" لما تحرّرت " ركين " من سجنها...لما غادرت أسوار القرية و لما أصبحت ما هي ّ عليه الآن... قطع صوت رنين " السكايب " بركان الذكريات...إتّجهت نحو حاسوبها المحمول لترّد على الإتّصال...لقد المتّصل الدكتورة " سعاد "...طبيبتها النّفسية و أمّها الروحية...إنّها المرأة التي وجّهتها إليها الظروف فأنقذت روحها من الإحتراق....إنّها هدّية من هدايا اللّه لها .... إبتسمت و إمتلأت عيناها دمعا يحمل كلّ معاني الشكر و الإمتنان...ردّت على الإتّصال " أجل أمي... لقد نجحت... حقّقت حلمي ".... بدا القلق جليّا على وجه الدكتورة " سعاد " ... وضعت " ركين " الحاسوب بعناية على ركبتيها و قالت متسائلة " ما خطبك أمّي ؟ هل صحّتك بخير ؟




منال عبد الوهاب الأخضر
Saveركين #5