Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

ركين #39

manel-abdelwaheb-rakinManel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر


شعرت جميلة أنّ الزمن قد توقف بها أو بالأحرى أنّه عاد بها إلى سنوات خلت... سنوات خالت أنها دفنتها إلى ما لا نهاية... وجدت نفسها وجها لوجه أمام ذكريات جاهدت طوال حياتها كي تخفيها وراء السديم...

آلام لم تتقاسمها سوى مع زوجها نور الدين -رحمه الله- و يبدو أنّ القدر سيجبرها على فتح باب الماضي الغارق في السواد... لم يعد أمامها حلّ غير كشف المستور.... ضرورة و ليس إختيارا....إذ يبدو أنّ إبنها قد سمع حديثها مع حليمة... و يبدو أنّه يظنّ أنّها قد أنجبته سفاحا من رجب... يا لهول ما يفكّر فيه إبن  قلبها بشأنها!!!... إنّه يظنّ أنّها إمرأة خائنة... يظن أنّها خدعت زوجها.... عليها أن تستوعب غضبه و شطط تأويلاته....

فأي شخص في مكانه لن يفكّر إلاّ في أسوأ الإحتمالات و لن يفسّر الأمر إلاّ بهذه الطريقة... إلتقطت طرف خمارها تُجفّف ما تسبّب من عرق من أعلى جبينها إلى طرف ذقنها.... عليها أن تحدّث إبنها بالحقيقة و لا شيء غيرها... ماعاد أمامها وقت للمراوغة و لا قدرة على مناورة الأقدار... عادت أدراجها إليه...حيث كان يجلس على طرف الأريكة غير قادر على إخفاء غضبه و لا على التحكّم في توتّره... ما إن إقتربت منه حتى أطفأ أعقاب سيجارته بعنف على طرف المنفضة.... جلست إلى جانبه و وضعت يدها بلطف على ركبته المرتعشة  حتى توقف إرتعاشها و لكنّه سرعان ما نهرها عن فعل ذلك بإشارة من يده أن توقفي و لا تلمسيني....

تمالكت نفسها و إقتربت منه واضعة يدها على طرف ذقنه حتى ترفع نظره المنخفظ نحوها... و ما إن فعلت ذلك حتى دفع يدها بقوة و صرخ في وجهها " لماذا فعلت ذلك بأبي ؟! لماذا خنته ؟! لا أصدّق أنّك بهذه البشاعة".... لم تشعر إلا بذراعها ترتفع ليستقر كفّها على وجنته في شكل صفعة تركت أثرها في روحها قبل أن تترك أثرها على وجهه... فعلت ما فعلته و هي تصرخ " أنا لم أخن زوجي... لا يمكن أن أفعل ذلك فهو حبيبي منذ الأزل و إلى الأزل... أنا لست أمّك.... لست أنا من أنجبتك من رجب... أنا خالتك...لقد كانت أختي حبيبة رجب التي تزوجها خفية عن أمّه و أجبرته على الإنفصال عنها و كنت أنت نتيجة هذا الزواج...أنت لست إبن سفاح يا آسر... أنت إبن رحم أختي المتوفاة و إبن روحي و قلبي... أنت لست إبن سفاح... أنت إبني و إبن نور الدين الذي أحبّك أكثر من نفسه "... إنهارت متهالكة على الأريكة و هي تبكي نفسها و تبكي أختها و تبكي الحياة التي أجبرتها على البوح بما لم ترد أبدا البوح به.... في الطرف الآخر من الأريكة، كان آسر في حالة من الذهول... ذهول يجمع بين البرود و بين الغليان... أصابه برود جعله غير قادر على أن يردّ الفعل.... و يسكنه غليان من رأسه إلى أخمس قدميه.... إنّه شخص مزيّف.... لا شيء حقيقي في حياته...لا شيء... هو كذلك... يساوي اللاشيء....


منال عبد الوهاب الأخضر

ركين #39