Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

ركين #38

manel-abdelwaheb-rakinManel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر


توقّفت السيارة أمام منزل حليمة...تردّدا في النزول...هو يخشى النظر في عيني أمّه بعد الحقيقة الصادمة التي سمعها على حين غرّة فقلبت موازين حياته و زلزت كيانه بعد أن إكتشف أنّه مزيّف من رأسه حتى أخمس قدميه...و هي تخشى ما يخفيه وراء توتره الذي، رغم إجتهاده في التخلّص منه ، تراه عاجزا عن ذلك... دلفا غرفة الضيوف فإستقبلتهما حليمة بإبتسامة ذابلة تكاد تكون منعدمة في حين كان جميلة مكفهرّة الوجه...تعلو جبينها غبرة ألم و قلق مبهمين...

مجهولي الأسباب، على الأقل بالنسبة لركين...ربّتت على المكان الفارغ جانبها على الأريكة... و دون أن ترفع رأسها، نادته مشيرة إليه بالجلوس... شدّ أصابعه في شكل قبضة حتى يجبر نفسه على التصرف على نحو طبيعي... تقدّم نحو الأريكة بتباطئ كما يتباطئ المحكوم بالإعدام في السير نحو المصقلة...إتخّذت ركين مكانها جانب خالتها حليمة و قد تسارعت دقات قلبها المنقبض...ساد الصمت في المكان...هدوء مُقلِق... بل هو ذاك الهدوء الذي يسبق هبوب العاصفة...

ويبدو أن جميلة من ستعلن إنطلاق الرياح العاتية التي ستحوّل أرواح المجتمعين إلى حُطام... غادرت أنفاسها صدرها في شكل تنهيدة قصيرة المدى مكتنزة المعنى قبل أن تعلن بداية المعركة...مرّرت باطن يدها على وجنة إبنها و خاطبته في حنوّ " يا إبن قلبي... لعلّك تدرك جيّدا أنك عالمي و دنياي... أملي و فرحي مجتمعان... لقد حدث ما لم يكن في الحسبان و ما لم أنتظره و لم أكن أتوقعه حين أخبرتني أنك تريد أن تعرّفني على حبيبتك التي تعتزم و إياها الإرتباط... و لكني أجد نفسي عاجزة على الإلتزام بالصمت...بني... لقد شاءت الأقدار أن تكون ركين التي أحببت أختك بالرضاعة...لقد تذكرت و حليمة أنّني أرضعت ركين حين كانت في عمر الثلاثة أشهر و كنت أنت ذا ربيع و نصف...لقد كانت أمّها المرحومة منهارة آنذاك بعد وفاة زوجها و تخلي أهله عنها و رضيعتها...لا يمكن لركين أن تكون زوجتك يا بني"... تصمّر الجميع في أماكنهم...

شعرت ركين بأن أيدي حديدية تلتف حول عنقها و تسحبها إلى الجحيم... حليمة الصامتة كانت تلعن نفسها لأنها لم تنبه ركين إلى أن مشاعرها نحو آسر محرّمة...ليس لأنّ جميلة كانت مُرضعتها و إنّما لأنّه الإبن الحقيقي لزوجها السابق....و تلعن نفسها آلاف المرّات لأنّها وافقت جميلة على نسج هذه الكذبة الجديدة كي تُفرّق بينهما... و هناك كان يقبع آسر سجين هواجسه و آلامه التي تتدفّق كما تتدفّق دموع أمّ ثكلى فقدت أبناءها الواحد تلو الآخر... و على خلاف الجميع كانت جميلة في كامل قوّتها...محافظة على رباطة جأشها...فهي تفعل الصواب، على الأقل وفقا لما تراه...

لم تتحمّل ركين المكان و الزمان فلم تجد أمامها سوى الهروب...فها قد تحطّم آخر المصابيح المضيئة في مشوارها و عادت رحلتها لتتّجه نحو المجهول... إلتقطت مفاتيح سيارتها و غادرت مسرعة... إنفطر قلب حليمة لرؤية صغيرتها محطّمة مرّة أخرى فلحقتها حتى تكون معها في هذه اللحظات الصعبة التي شاركت في صنعها بطريقة أو بأخرى... همّت جميلة بالخروج كذلك و ما إن وصلت مدخل غرفة الجلوس حتى فاجأها صوت إبنها المتقطّع و هو يسائلها " قولي لي يا أمّاه الآن كلّ ما تُخفينه في جعبتك غير أنّ حبيبتي تكون أختي بالرضاعة و أبي الذي كنت أظنّه أبي ليس كذلك...ماذا هناك أيضا... ألن تعترفي بأنّك خُنتي زوجك مع رجب القذر فكنت أنا قاذورة هذه العلاقة المحرّمة ؟"... توّقفت عن الحركة و تجمّد الدم في عروقها... ماذا عساها تفعل أمام هول مصابها ؟...


منال عبد الوهاب الأخضر
Saveركين #38