Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149
ركين #20
Manel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر
و هي تقول" توقّف... سأعدّ القهوة من أجل كلينا... فأنا أيضا أعجز عن النوم بعد كلّ ما حدث ".... إبتعد كي يتيح لها المجال لإعداد القهوة و لم ينظر إليها كي يخفي إرتباكه... فرغم الضياع الذي يعتريه بعد أن مثل ماضيه أمامه فجأة، مازال صوتها يخدّره... أعدّت ما تيسّر من القهوة و سكبتها في فنجانين أبيضا اللون... عادت ورثتها عن أمّها التي كانت تقول بأنّ القهوة تفقد قيمتها إذا سكبت في فنجان في لون غير اللون لأبيض..كان قد خرج إلي فناء المنزل رغم أنّ الطقس بدأ يميل إلى البرد خاصّة أنّ الفجر بدأ يلوح في السماء... كان يجلس على أحد المقاعد المصنوعة من الجبس.... ينظر إلى الأفق في شرود... مدّت
يدها نحوه و ناولته فنجان القهوة... أخذ الفنجان من يدها و ترشّف أول قطراته التي أعادته إلى الحياة... جلست إلى جانبه و هي تمسك الفنجان بكلتا يديها و كأنّها غريق يتمسّك بآخر قارب نجاة... سكن الصمت بينهما قبل أن تسطو عليه بكلماتها المتردّدة " لست وحدك من يكره التواجد في هذا المكان... فأنا أيضا أحمل عنه ذكريات أقلّ ما يقال عنها أنّها سوداوية أليمة... لقد فقدت أمّي في هذا المكان و ضاعت طفولتي بين أسوار هذا المنزل و أجبرت على الزواج من رجل يكبرين بثلاثين سنة حين كنت بالكاد أبلغ من العمر ستة عشرة سنة... و رغم ذلك عدت إلى ذات المكان الذي كان يوما ما بمثابة سجن يخنقني... عدت فوجدت خالتي "حليمة" تنتظرني بمحبّتها المعتادة...
بعد لقائه بالخالة "حليمة"، كان تفكيره مشتّتا و قد أصابته فوضى مشاعر جعلته غير قادر على ضبط نفسه فطلب من" ركين" أن تمكّنه من غرفة يرتاح فيها بعد هذا اليوم الطويل المتعب.... فما كان من هذه الأخيرة إلا أن أسرعت إلى فتح إحدى الغرف المقفلة و رتّبت فيها ما إستطاعت إليه سبيلا....
غيّرت شراشف السرير ووضعت إبريق ماء على المنضدة.... كانت ترتّب الغرفة وهيّ تفكّر : كيف للصدفة أن تجمع بينهما ثمّ تفرّق بينهما لتخال أنّها لن تلتقي به لتجده أمامها... يلتقط صورها من أجل المسابقة فينتهي المطاف بهما معا في نفس المنزل... في قرية "كف الصبي"...تجمع بينهما الخالة" حليمة " و كمّ هائل من الألم و الذكريات السيئة...
إنتهت من ترتيب الغرفة و أخبرته إنّه يستطيع أن يخلد إلى الراحة... أرادت أن تصوغ بعض العبارات تشكره من خلالها و تعبّر عن إمتنانها لمرافقته إيّاها و لكنّها عجزت عن ذلك.... ربّما لأنّها مرهقة مثله ممّا حدث و خائفة ممّا سيحدث أو ربّما لأنّها رأت وجهه مكفهّرا... غاضبا... منزعجا... إختارت أن تصمت لأنّها تدرك جيّدا الصراع الذي يعيشه " آسر" الآن... صراع بين الماضي و الحاضر...
صراع عاشته حين عادت إلى القرية للمرّة الأولى و لكنّها تغلّبت على ألمها و تجاوزت قهرها ووضعت المدرسة كهدف نصب عينيها... دلف "آسر" الغرفة و أقفل الباب دون حتى أن يتمنى لها ليلة سعيدة... فقد كان في حالة يرثى لها... حالة من الغضب الذي لم تنجح كلّ هذه السنوات في إخماده... حالة من الألم... ألم الفقد الذي لايفقهه إلاّ من يعيشه...جلس على الكرسي الخشبي المحاذي للسرير... تناول سيجارة ووجّه نظره إلى السقف كأنّه يطلب منه الإنفراج عن فتحة يستطيع من خلالها الهرب من هذا المكان البغيض إلى نفسه... أنهى السيجارة الأولي و كرّ إلى الثانية ثمّ الثالثة و لم يزل القلق يصاحبه و النوم يأبى زيارته فقرّر أن يعدّ لنفسه قهوة ربّما يغتسل في قطراتها من كآبته و تختفي مرارة هذه الليلة أمام مرارتها... ترك الغرفة نحو المطبخ... بحث عن مكان القهوة عبثا... كان يحاول العثور عليها دون جدوى حين داهمه صوتها الناعم... الهادئ
و هي تقول" توقّف... سأعدّ القهوة من أجل كلينا... فأنا أيضا أعجز عن النوم بعد كلّ ما حدث ".... إبتعد كي يتيح لها المجال لإعداد القهوة و لم ينظر إليها كي يخفي إرتباكه... فرغم الضياع الذي يعتريه بعد أن مثل ماضيه أمامه فجأة، مازال صوتها يخدّره... أعدّت ما تيسّر من القهوة و سكبتها في فنجانين أبيضا اللون... عادت ورثتها عن أمّها التي كانت تقول بأنّ القهوة تفقد قيمتها إذا سكبت في فنجان في لون غير اللون لأبيض..كان قد خرج إلي فناء المنزل رغم أنّ الطقس بدأ يميل إلى البرد خاصّة أنّ الفجر بدأ يلوح في السماء... كان يجلس على أحد المقاعد المصنوعة من الجبس.... ينظر إلى الأفق في شرود... مدّت
يدها نحوه و ناولته فنجان القهوة... أخذ الفنجان من يدها و ترشّف أول قطراته التي أعادته إلى الحياة... جلست إلى جانبه و هي تمسك الفنجان بكلتا يديها و كأنّها غريق يتمسّك بآخر قارب نجاة... سكن الصمت بينهما قبل أن تسطو عليه بكلماتها المتردّدة " لست وحدك من يكره التواجد في هذا المكان... فأنا أيضا أحمل عنه ذكريات أقلّ ما يقال عنها أنّها سوداوية أليمة... لقد فقدت أمّي في هذا المكان و ضاعت طفولتي بين أسوار هذا المنزل و أجبرت على الزواج من رجل يكبرين بثلاثين سنة حين كنت بالكاد أبلغ من العمر ستة عشرة سنة... و رغم ذلك عدت إلى ذات المكان الذي كان يوما ما بمثابة سجن يخنقني... عدت فوجدت خالتي "حليمة" تنتظرني بمحبّتها المعتادة...
عدت بعد وفاة خالي و قرّرت البقاء من أجل الخالة "حليمة" و من أجل فتيات القرية و لكن كذلك من أجل نفسي... و مازال طليقي يلاحقني... لقد سبق و عنّفني و رغم أنّي قاضيته إلاّ أنّه الذي حرّك الهجوم الذي حدث اليوم... أنا على يقين من ذلك و لكنّي لن أتراجع عن بناء المدرسة و لن أستسلم... أرجوك "آسر" لا تجعل هذه الليلة تؤذيك... أنظر إلى نفسك... لقد تغلّبت على كلّ إنتكاساتك و خيباتك و ها أنّك رجل ناجح اليوم... أنا آسفة لأنّي جررتك معي إلى مستنقع االذكريات المظلمة "... لقد كان كلامها سلاحا مزدوجا... سلاحا ذو حدّين... فقد كان ما قالته بلسما لجراحه التي لم تندمل بعد و لكنّ حديثها لم يخلو من بعض الكدمات الصادمة... فقد أخبرته للتوّ أنّها كانت متزوّجة أو بالأحرى أنّها أجبرت على الزواج و هيّ قاصر... بيّن إذن من أين تأتي بصلابتها تلك... بيّن إذن السبب الذي يجعلها تلفّ نفسها بهالة من الغموض... إنّه الألم... الألم صنع من "ركين" إمرأة باردة أو على الأقل هكذا تبدو... متصلّبة المشاعر... يبدو أنّ القدر يؤكّد له مرّة أخرى أنّهما لم يجتمعا عبثا...
يتبع
منال عبد الوهاب الأخضر
منال عبد الوهاب الأخضر
Website Design Brisbane