Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

ركين #17

roman-novel-love-amourManel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر


تجمّد الدم في عروقها و عجز لسانها عن الكلام ... و كأنّها بنفسها تلميذ عاجز عن الإجابة على سؤال معلّمه... و لكن، هيهات أن تسمح بأن يكون هذا الحال حالها... فهيّ "ركين" و القوّة و الثبات سمات وجودها المميّزة... لن تسمح لتوازنها أن يختلّ أمامه...

نظرت في عينيه و هيّ عازمة على تجاهل سؤاله و تجاوزه و المضي في طريقها نحو المغادرة ... رغم ذلك، وجدت نفسها تقول " ليس من حقّك أن تحكم عليّ دون أن تعرف الأسباب التي جعلتني أتخلّف عن موعدي معك "... قالت ما قالته دون أن تختار ذلك...

و إذ بها تقدّم له إعتذارا غير مباشر و تبرّر له بعد أن كانت مصمّمة على تجاهله...إستجمعت ما تيقّى من رباطة جأشها و همّت بالخروج لكنّه إستوقفها مجدّدا و وجّه لها إستفهاما آخر، و كأنّها بنفسها متّهمة في حضرة حاكم تحقيق " ماهيّ هذه الأسباب التي جعلتك تمتنعين حتّى عن الإعتذار ؟ أظّن من حقّى أن أعرف"... تصمّرت في مكانها... يبدو أنّها فتحت على نفسها بابا ستأتيها منه رياح عتيّة لن تتمكّن من الصمود أمامها كثيرا...

و هذا ما حدث فعلا... أخذت نفسا عميقا و رفعت نظرها نحوه فواجهتها نظراته المبهمة التي عجزت عن قراءتها.. و مرّة أخرى خانتها شجاعتها ووجدت لسانها يقول عكس ما يجب أن يقوله " يوم إلتقينا، و بعد أن أرسلت لي لي باقة التوليب الأبيض و إتصلت لأشكرك، تلقيّت إتّصالا من أمّي التي ربّتني تعلمني أنّ خالي قد توفيّ و أنّ الأمر يستوجب حضوري من أجل إتمام بعض الإجراءات و الأوراق الرسميّة... لذلك غادرت فورا و لم أجد متّسعا للإعتذار عن الإلتحاق بدعوتك في الموعد المحدّد ... ها قد أخبرتك بأسبابي عدم حضوري إلى الإستوديو الخاصّ بك... هل بوسعي أن أغادر الآن؟ "...كان يتأمّل تقاسيم وجهها و إنعالات ملامحها و هيّ تتحدّث...

إنّها تشبه نسيم الليل في لطفه و قساوة طقس الخريف في صلابة نبرة صوتها... تبدو جميلة أكثر عن قرب... عيناها كهف ملغّز ينتظر من يفكّه... أرادت الذهاب و لكنّ شيئا خفيّا كان يشدّها إلى المكان و الزمان اللّذان جمعا بينهما رغم أنّ اللّقاء لم يكن وديّا بالمرّة...تغلّبت على رغبتها في المكوثو تجاوزته نحو الباب...ما إن مرّت بجانبه حتّى همس " أنا آسف لأنّي تجاهلتك حين هاتفتني...لقد كنت غاضبا جدّا من عدم حضورك في الموعد المحدّد... أنا حقّا آسف على الطريقة الفظّة التي تعاملت بها معك "... إنّه يعتذر منها... أجل إنّه يفعل ذلك... إبتسمت بهدوء و قالت " لا داعي للأسف فأنا أيضا أخطأت بعدم إعتذاري عن تخلّفي عن الموعد...هيّا بنا، فأمامنا جلست تصوير إذا كنت تتذّر بعد "... إبتسم ملئ شدقيه... و كأنّ الأمور بينهما بدأت تأخذ منحاها الصحيح... فبعد أن كانت تهمّ بمغادرة القاعة، عادت أدراجها... مضت الساعة و نصف الساعة و " آسر " يلتقط صورها... و كلّما كان يلتقط لها صورة جديدة، من زاوية مختلفة...كان يكتشف جانبا من جوانب جمالها غير المعهود... ربّما لا تكون أجمل النساء و لا أكثرهنّ أناقة... ربّما يراها الآخرون أقلّ من عاديّة و لكنّه يرى فيها ما لم يره في أيّ إمرأة أخرى...يرى فيها جمال كليوباترا التي أركعت قيصر الروم و جعلته أسير هواها...يرى فيها أنوثة عشتار آلهة الحب و الجمال...عشتار نجمة الصباح و المساء التي تغنّت بها أساطير بابل و الموصل و أثينا و روما القديمة...

أمّا هي، فستكون منذ الآن نجمة كلّ صباحاته التي سيمتدّ ضوءها إلى المساءات...لن يفلت فرصة التعرّف عليها عن قرب هذه المرّة، فهوّ لن يقابل إمرأة مثلها كلّ يوم...وضع آلة التصوير خاصّته في المحمل الخاصّ بها و تقدّم نحوها...كانت قد إنتهت من نغيير ملابسها...فقد إختارت لها الجمعيّة بعض الملابس الفولكلورية من أجل جلسة التصوير... كانت تضع قرطها حين رأته مقبلا عليها...شعرت بسعادة غريبة إنبعثت في ثنايا روحها بمجرّد إبتسامه في وجهها...أمره غريب فعلا... فهوّ يجعلها تبتسم دون أن ينبس ببنت شفة...خاطبها قائلا " أظنّ أنّنا تخلّصنا أخيرا من لعبة التجاهل الغبيّة تلك...هل تشرّفني إمرأة التوليب بتناول طعام الغداء برفقتي اليوم؟ " و مدّ يده نحوها بعد أن وضع يده الأخرى وراء ظهره و إنحنى في حركة تشبه تلك الحركة التي يأتيها الرجال في الحفلات الراقصة حين يتقدّمون لطلب الرقص من إحداهنّ... ضحكت من قلبها...ضحكت كما لم تفعل منذ الأيّام التي كانت تتسامر فيها مع والدتها رحمها اللّه و هما تشاهدان النجوم في كبد السماء و تتبادلان المحبّة في جوف الليل و تتحدّيان فناء المنزل البارد بدفئ عائلتهما الصغيرة... ضحكت و مدّت له يدها مبدية موافقتها على دعوته دون حتّى أن تفكّر... شيء غريب يشدّها إلى هذا الرجل و يجعلها تتصرّف دون أن تخضع تصرّفاتها لرقابة عقلها كما تعوّدت...فجأة، رنّ هاتفها و كانت الخالة "حليمة" تعلمها بأنّ رجال القرية و شبّانها قد هجموا على العمّال الذين يهتمّون بتأهيل المنزل من أجل تحويله إلى مقرّ للمدرسة الثانوية و أخذوا يحطّمون كلّ شيء...

حتّى أنّهم يهدّدون بذبح "حليمة" و "ركين" و التنكيل بهما إذا لم يتوقّف العمل على إنشاء المدرسة الثانويّة التي ستخصّص للفتيات حتّى لا تحرمن من التعليم... إختفت إبتسامتها في لمح البصر و تجمّدت ملامحها و سكن الخوف قلبها... فهي لا تنكر أن ما يحدث مخيف...من المؤكّد أنّ "رجب" طليقها هوّ من يقف وراء وقوف أهل القرية ضدّ مشروع المدرسة...فهوّ لم و لن ينسى ما فعلته معه في الماضي حين أجبرته على الطلاق و لا ما فعلته مع الآن حين رفعت ضدّه قضيّة و جعلته ينال عقابه بالسجن بعد أن عنّفها في المقبرة...شعرت بالمكان يخنقها و بأنفاسها تضيق....إنتبه "آسر" إلى أنّها تلقّت لتوّها خبرا مزعجا فسألها " ما الخطب؟ هل هنالك ما أستطيع فعله من أجلك ؟"...نظرت إليه و الدموع تترقرق في عينيها و قالت "أنا آسفة فعلا لأنّني لن أستطيع أن ألبّي دعوتك هذه المرّة أيضا... يجدر بي أن أغادر فورا إلى قريتي... قرية"كفّ الصبيّ"... لأنّ هناك من يهجم الآن على منزلي و قد إستنجدت زوجة خالي بي... إنّهم يريدون أن يهدموا ما أراهن على بنائه و لن أسمح لهم بذلك... أرجوك إعذرني، ربّما ألبّي دعوتك في وقت لاحق"...وضعت الهاتف في الحقيبة و تقدّمت نحو الباب... " إنتظري، سأرافقك إلى قريتك... لن أتركك بمفردك في مثل هذا الموقف "... قاطعها "آسر" قائلا...و كان يعني ما قاله فعلا ، فهوّ لن يتركها أبدا بعد اليوم...

يتبع

منال عبد الوهاب الأخضر



Saveركين #17