Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

شيزوفرينيا #1

manel-abdelwaheb-schizophrenia2Manel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر

الجزء الأول

إستيقظت و هي تحمل  داخلها شعورا غريبا جدا عنها...شعور مبهم، ملتبس يجمع بين الضيق و التفاؤل في ذات الآن... تشعر و كأنها مقبلة على حرب و لا يغادرها إحساس دفين بأنها ستكون المنتصرة حتما... تركت غرفتها في عناق عنيف مع أغراضها المبعثرة  يمنة و يسرة و خرجت إلى الشرفة تستنشق هواء نقيا.. تحب هذه الشرفة كثيرا.... فهي ركنها المفضل في المنزل...ذاك الركن الذي يبدد نوعا ما  غربتها و إغترابها.... لقد وضعت كل خبرتها في هندسة الديكور في هذه الشرفة... زوقتها ببعض النباتات كالصبار و الألوفيرا رغبة منها في تزويد حياتها المملة الرتيبة ببعض الموجات الإيجابية... أثثتها ببعض  قطع الأثاث البسيطة  المتمثلة  أساسا  في أريكة حديدية

و كرسي هزاز ورثه والدها عن جده و ها قد إفتكته لنفسها و حققت أحد أحلام طفولتها الأشد إلحاحا... مررت أناملها الرقيقة على وريقات الألوفيرا الرطبة الندية و أخذت نفسا عميقا محاولة إستعادة ملامح أمها المختبئة في غياهب الذاكرة... أمها التي تركتها

و والدها وحيدين منذ سنوات خلت و عادت أدراجها إلى بلدها... اليونان... عادت بعد أن عجزت عن التأقلم مع الحياة في بلد عربي يجر كل شيء فيه المرء إلى اليأس و بعد أن رفض زوجها أن يترك بلده و أصر على أن إبنته يجب أن تعيش في وطنها و أن تترعرع بين أفراد عائلتها... ربما لم تحبها أمها بما يكفي كي تضحي من أجلها بالرفاهية و الترف اللذان إفتقدتهما و عادت من أجلهما إلى بلدها تاركة وراءها رضيعة لم تتجاوز  سنتها الأولى بعد...قطع صوت والدها حبل أفكارها

و هو يدعوها إلى إحتساء القهوة و مشاركته أول ساعات اليوم كما تعودا منذ ثلاثين سنة... سارعت إلى المطبخ حيث والدها الذي كان قد أعد فطور الصباح كما تشتهيه إبنته... وتين قلبه كما يحلو له أن يناديها... بعض الخبز المحمص... قطعة من جبن الموزاريلا

و حبيبات زيتون سوداء دون أن ينسى ركوة القهوة التي سيستمتعان معا بإرتشاف محتواها حتى آخر قطرة ....

ولجت المطبخ و هي ترسم على ثغرها إبتسامة طفولية... أحس والدها بخطواتها تقترب منه فإبتسم بدوره و إذ بها

تباغته، كما كل صباح ، بعناق شقي تنكشف فيه تلك الطفلة التي تختبئ وراء مظهر الفتاة الثلاثينية الناضجة.... قبلته بقوة هامسة في أذنه " كاليميرا

Καλημέρα

Kaliméra "....

شد بيديه على ذراعيها الملتفتين حول عنقه و خاطبها قائلا " لم تتعلمي من اللغة اليونانية سوى كلمة صباح الخير... كيف ستجدين أمك إذا سافرت و أنت لا تتقنين اللغة ؟ ".... ساد صمت ثقيل على المكان.... فلا الفتاة بخير لأنها لا تستطيع أن تتقدم أكثر في حياتها دون أن تلتقي أمها و تقول في وجهها كل ما خبأته في قلبها كل هذه السنوات و لا الأب بخير لأنه لا يريد لإبنته أن تسافر بحثا عن أم باعتها بأبخس الأثمان...

كان لابد لأحدهما أن يبدد تلك الغيمة السوداء التي حلت على بياض هذا الصباح... و قد تولى فؤاد هذه المهمة معلنا أن ركوة القهوة أصبحت جاهزة.... جلسا على طاولة الطعام متظاهرين بأن شيئا لم يكن... كانت كايا شريدة الذهن و لكنها لم تغضب من والدها فهو على حق... كيف لها أن تجد والدتها و هي لا تتقن اليونانية؟ و لعل الصيغة الأصح للسؤال هي لماذا تبحث أساسا عن إمرأة هجرتها كما لو كانت وباء و لم تترك لها سوى الإسم الذي إختارته لها... إسم يزيد غربتها و يذكرها في كل جزء من الثانية أن أمها الأجنبية قد تخلت عنها و لفظتها كما تلفظ مياه البحر الأسماك الميتة... يبدو أنها في حاجة إلى مراجعة أمر سفرها إلى اليونان...


رواية منال عبد الوهاب الأخضر - رسمة شاكر عكروتي

chaker-akrouti
شيزوفرينيا #1