Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

شهود عيان

lettres-confessions-filleNarjes Fredj - نرجس فرج

فاتنة هي بملامحها البريئة تلك، ممدة كبياض الثلج فوق بساط احلامها المنكسرة. يوجد قربها كتاب ذو غلاف جلدي  مقفل ،ريشة حبر مرمية أرضا و أوراق  تناثر بعضها فوق الاريكة و البعض الآخر فوق السجاد. تحمل بين يديها وردة حمراء قد ذبلت . اختلط  ريحها بعبق الحبر فأضفيا جوا من الرهبة و الخشوع على المكان.

هناك ، يوجد  عصفور  ـ كناري ـ ينشد من أجلها لحن الوداع . يراها ترقد في سلام فيرثيها زقزقة أبلغ من الكلمات. فذاك الصغير الفنان يحكي أن - أميرته -  كانت كل صباح تحضر  ورودا تزين بها المكان ، تتخذ من الشرفة منصة تطل منها على الكون بأروع فساتينها  و هي تحمل بين يديها  كتابا . كانت تقرأ دوما الحكايا و الروايات تندمج   غالبا مع شخصياتها فتحاكي  افعالهم و تلفظ اقوالهم بنبرة  ساخرة مضحكة.

يراها تشدو فيغني معها أنشودة - تتمايل  هي - على ألحانها. ثم تجلس متعبة  الى كرسيها تحمل في يدها ريشتها  لتخط  لوحات من الكلمات .

قاطعه، آن إذ ، بكاء الحضور تأثرا بالرثاء فقد كانوا يحبون  الفقيدة  كثيرا فهي غمرتهم بالاهتمام .  استدرك العصفور قوله بنداء : " أيا إخوتي  توقفوا عن البكاء  فأميرتي لا تحب أبدا أجواء الشجن  هذه  فهي ما كانت يوما حزينة  قط . فلا تحزنوا و هذا مني اليكم رجاء ".  . فأيدته في هذا مرآتها قائلة انها كانت ترى البسمة دوما ترتسم  فوق ملامحها الملائكية   وما شاهدت يوما  دمعها . [" لقد كانت للسعادة عنوان "] .  تقف كل يوم  أمامها مبتسمة ثم تشق خطاها واثقة  ، ممشوقة القامة ، فرحة  . أيدت المرآة العصفور و طالبت الجميع بالتوقف عن النحيب و العويل .

دوت صرخة كالرعد  هزت ارجاء الغرفة ،تحمل بين طياتها عتابا : " ويحكم ، أصمَت أذانكم ؟؟   أ لذلك لم تسمعوا صراخها و  شهيقها كل ليلة و هي تسقي أواصلي بد موعها  ؟ ألم تسمعوا مناجاتها لربها و دعاءها ؟ ألم تعلموا أنها كانت تذبل أمام أعينكم كتلك الوردة الحمراء هناك بين يديها ؟ حقيقة الأمر أنها ما كانت سعيدة يوما.  فقط  كانت  تكابر و تتحمل جرح قلبها بمفردها . فرت من واقعها لعذوبة دنيا الخيال . سلوني أخبركم عن معاناتها .... "

قاطعتها همسات الاوراق قائلة :" صه ، أيتها الوسادة الواشية . ألم تتعهدي أن سرها هذا ستكتمين  كما فعلت أنا و اخواتي ؟؟ ".

دافعت عن نفسها قائلة : "  ما أنا بواشية لكن كيف  سنصمت و نتكتم و نحن شهود على جريمة قتل صارت  ها هنا أمامنا ؟ ".

فجرت كلماتها هذه حيرة و ذهولا في أعين الحضور كلهم . و أخذوا  يتساءلون  بينهم ان كانت هناك جريمة حقا ؟  و ان وجدت  فمن الجاني الذي تسلل رغم وجودهم وتجاهل انهم سيكونون على جرمه  شهود عيان ؟؟؟.

وقفت الوسادة بين الجمع بهيبة 'بوارو في روايات كريستي '  تستعد للشرح . قالت : " الجريمة يا سادة  المتورطون فيها كثر لكن قبل أن أفصّل لكم الاحداث أطلب من هاتفها النقال ، ألبوم الصور و مجلد الاوراق الحضور هنا شهودا  " .

تقدم من ذكرت أسماؤهم الى وسط الحشد . نظرت المحققة الى الشاهد الأول ( الهاتف النقال) و سألته :"   أخبرنا ان كانت الضحية قد تلقت  اتصالا أو رسالة نصية  من أحد أصدقائها يسأل فيه عن حالها   ". أجاب :" لا ، كل من اتصل بها كان يريد منها أن تقضي من اجله مصلحة لا غير ".

-  "شكرا لك . ليتقدم الآن الشاهد الثاني ".

وصل ألبوم الصور مرتبكا الى الباحة حيث واجه المحققة مباشرة . توجهت اليه بسؤال مباشر : " اي الصور التي كانت تراها عندك تبكيها أكثر ؟؟ ".

أجاب :" الصور التي تجمعها بصديقتها ، أذكر أنها كلما كانت تمر باحدى صورهن معا ، كانت تبكي قائلة لما فعلتي هذا بي يا رفيقة ؟ ".

- أشكرك يا صديقي لصراحتك . و الآن أطلب من شاهدي الأخير أن يتقدم و بعدها سأوفيكم بتفاصيل ما جرى.

-ها أنا ذي يا وسادة جاهز للشهادة .

- أجبني يا مجلد الورق أي صفاحاتك امتزج فيها الحبر مع دمع ضحيتنا ؟

-  اوراقي التي حملت كتاباتها عن شاب ما  ذكرت اسمه كثيرا لكنها شطبته مرارا بعنف .

- شكرا يا صديق ، كما اخبرتكم هناك جريمة صارت أمامنا جميعا و تتمثل في  قتل روحها على أيد هؤلاء البشر . لنبدأ بالأصدقاء الذين عنها في محنتها تخلوا و نضيف اليهم رفيقة روحها التي اتضح أنها مجرد منافقة، مخادعة و كاذبة خدعتها استغلتها ثم مضت . أثقل عبء الخذلان  قلبها أتعب أنفاسها و أنهكها ". [ نظرت في الارجاء بتمعن  و حدقت بالمرآة  و العصفور ثم قالت :" يا قوم أنتم ايضا مثلهم فقط اهتممتم بما يبدو عليها و لم تفهموا أبدا نظرة الحزن في عينيها." ]

تطأطأ الاثنين رأسيهما خجلا فيما واصلت هي شرحها قائلة : " حين كانت تختنق لم تجد سوى مجلد الاوراق ذاك لتشكي له وجعها و لم تجد حضنا تضع عليه راسها سوايا . اختنقت ، بكت و لم يجبها أحد . ماتت روحها بسم الوحدة موتا بطيئا  تخلت عنها  أقرب صديقاتها عانت بمفردها.  وحين ظنت يوما أن معاناتها قد انتهت بدأت مأساتها الأكبر  فقد  تعرفت على شاب ظنت أنه سينقذها كما وعد ، و انه سيجعلها أميرة تتربع فوق عرش فؤاده  . و عدها أنه سيحميها و سيسعدها . لكن هو أيضا غرز في قلبها سكين من الغدر قد صنع . فبعد أن أوهمها بحبه لها رحل و تركها تتجرع مرارة الخذلان من جديد . هذه يا سادة جريمة خذلان نكراء  منفذوها بشر و الشهود عليها نحن فهل نصمت  ؟

عمّت  غوغاء الرافضين لهذا الصمت الارعن الارجاء و نددوا به أيضا .

لكن بزغ الفجر فعادوا جميعا الى حالة سكونهم الأولى.

داعب نور الشمس جفنا الفتاة ، افاقت ، مسحت أثار الدمع المتبقية على وجهها . رسمت ابتسامتها المزيفة  . و كما كل صباح واصلت الجميلة تمثيل دور السعادة الذي تعيشه باتقان . واصلت اخفاء الجرم الذي ارتكب في حقها و ادّعت  أنها على قيد الحياة .

و لم تنتبه لشهود العيان .

بقلم نرجس فرج
شهود عيان