Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

خيبة مقاتل

betrayed-girlNarjes Fredj - نرجس فرج

هو شاب في العشرين من عمره تعلو وجهه ابتسامة ساحرة ، عريض الصدر ، طويل القامة و كل تفاصيله تنم عن وسامة لا متناهية . يجلس بجانب سيارة مدرعة شاخصة ابصاره . و اذ برفيق له يناديه متسائلا : " ا سعيد شبيك يا خويا في شنية سارح ؟ "

-    شي يامراد اما توحشت لمة الدار يا خويا . توحشت الميمة و زيد الايامات هذوما  بابا يروح من فرنسا و اخوتي الكل يتلمو بحذاه . كان اني يا خويا عامين لا روحت لا في عيد لا في لمة.

-     على ربي يا صاحبي . هانا الكل كيفكيف و زيد تو ما نجموش لا نهزوا كونجي لا شي . اك تشوف في حالنا و حال البلاد . كان ما نوقفوش حني في وجوه هالكلاب . اهلنا و امالينا يبدو مهددين . على جال بلادنا كل شي يهون .

-    اي يا خويا ربي معانا .  

-    يا الولاد  يزيتوش من الكلام خلي الواحد يرتاح شوي

مد سعيد يده الى محفظته . و اخذ يتأمل صورة لديه . نظراته تشع حبا و شوقا و كيف لا و هو يتأمل صورة حبيبته . يااه مضى الكثير على اخر لقاء بينهما . لكنه لم ينسها للحظة واحدة.
و فجأة  دوى انفجار في موقع ليس ببعيد عن مقر ثكنتهم . لذا هرعوا جميعا الي السيارة المدرعة و انطلقوا في البحث . هم يعلمون اشد اليقين . ان الدوي ناتج عن انفجار لغم .  الكل في حالة من الخشوع و الصمت . الى ان توقفت السيارة . نزلوا مسرعين . هالهم ما رأوا : اشلاء مبعثرة لجثة يبدو انها تعود لامرأة و صوت طفل يصرخ من الفزع . المسكين متجمد من الخوف ، عاجز عن التقدم .  اخبره سعيد بأن لا يتحرك من مكانه و يظل ثابتا خشية ان يدوس هو بدوره على لغم فينفجر. تقدم سعيد بحذر شديد نحو الطفل  يحسب خطواته  فهو يعلم اين زرعت هذه الالغام واحدا واحدا . اقترب من الطفل ببطأ . اكتشف ان يديه مقيدتين بحبل و بسرعة صرخ : " كمين."

ما ان انهى كلماته حتى انهال عليهم وابل من الرصاص من جهات متعددة . رمى سعيد بنفسه الى الامام و احتضن الطفل  ثم تدحرج به الى خلف شجرة حيث خبأه . تفقد ذخيرته . و تقدم بحذر . اشار لرفاقه بأن يتراجعوا الى الخلف و ان يلقوا عبوات من الدخان  و يتوقفوا عن اطلاق النار. طلبه كان غريبا لكنهم نفذوه .

تمكن سعيد من معرفة عدد المهاجمين و قدره على انه يتراوح بين الثلاث و الاربعة . كما تنبأ بحركتهم القادمة . فبعد توقف اطلاق النار توقع ان  يتقدم المهاجمون الى الموقع ليتفقدوا الجثث. و هذا بالفعل ما جرى . تقدم الحمقى الى وسط حقل الالغام و لم يتمكنوا من العثور على اي جثة.

حينها علموا بأن سحرهم قد انقلب عليهم و انهم الان محاصرون من قبل الجنود . اخذوا يطلقون رصاصاتهم هنا و هناك . تمكن سعيد من قنص الاول فارداه قتيلا . دب الفزع في قلبي المهاجمين و وهما بالفرار لكن داس احدهما على لغم فانفجر   ولقيا حتفهما.

ظل سعيد يعيد حساباته لقد تمكنوا من القضاء على ثلاث تقدموا جميعا من جهتين فقط . لكنه احصى ثلاث جهات مختلفة لاطلاق النار  مما يعني تواجد اخر.  اراد ان يحذر الجميع و ينهاهم عن التقدم لكن ......  سمع صوت رصاصة واحدة استقرت في صدر مراد الذي وضع يده على موضع الرصاصة ، خر على ركبتيه ثم وقع ارضا.  اخذت دمائه تروي التراب .   رغم تواصل اطلاق النار اراد سعيد ان يسحب جسد رفيقه الممدد ارضا . لطالما رددا معا مقولة لاحدهم :" يا رفيقي ان عشنا عشنا معا و ان متنا اعدك اننا سوف نتشارك الكفن نفسه " . هو على يقين تام بأن المهاجم الاخير قناص ماهر . هو يعلم الان انه سيكون في مرمى نيرانه تماما .  مع ذلك انقض كالوحش على جسد الشهيد و هم بسحبه . احس بشيء اخترق قدمه اليمنى . هل هي رصاصة ؟ لماذا اصاب ساقه  فقط  ؟ هل سيستمتع ذاك المعتوه باطلاق رصاصاته واحدة واحدة ؟ احس سعيد بالم  مجددا على مستوى كتفه الايسر لكنه واصل
سحب جثة رفيقه ....

فتح عينيه و اذ  به ممد في غرفة  . لا يرى امامه سوى مراد و هو يقع ارضا . امتلات عيناه دمعا و اخذ يلوم نفسه . هو بنظره المسؤول عن استشهاده . لطالما حدثه عن اشتياقه لوالدته المسكين لم يحظى بفرصة لتوديعها لم تمنحه الرصاصة متسعا من الوقت ليرى امه ام سعيد راعية الغنم الثكلى التي اكتوت بنيران فقد ولده بكرها .  ..

عاد سعيد الى البيت لكنه لم يكن سعيدا قط . اسرع الى والدته احتضنها و بكى كطفل صغير عثر على امه بعد ان  اضاعها في سوق. بعد برهة تماسك و اخذ يسأل عن حال اخوته واحدا واحدا ثم تساءل عن مكان والده . ظلت الابصار شاخصة . و تلعثمت الالسن . اعاد سؤاله لكن لم تجبه سوى دمعة نزلت على خد امه .

أخبروه أن والده قد توفي منذ ست شهور . ياااااه على الوجع الذي أحسه . يااه على الخيبة التي عاشها . هل حرم ايضا من حضور جنازة والده؟؟ بكى كثيرا . بكى بحرقة  . ضاعت عنه الكلمات . هو اشتاق كثيرا لوالده كان يود ان يلمحه لمرة فقط . تمنى لو منحه القدر فرصة للوداع ، فرصة وحيدة لكي  يقبل والده اكثر و يخزن ريحه داخل غياهب قلبه و يحتفظ بملامحه في خبايا ذاكرته . احس خيبة لا توصف . شعر بحزن و يأس كبيرين.

تلقى التعازي من الجميع الا صديق طفولته لم يحضر ابدا . اخذ يجوب القرية باحثا عنه فهو يعلم أن صديقه هو الوحيد الذي يفهم وجعه .  توجه الى منزل احمد دق الباب و اخذ ينتظر عنده . الى أن سمع صوت فتاة تسأل عن الطارق . هو يعرف هذا الصوت جيدا أنه صوت فيروز لكن لما هي هناك ؟

فيروز هي حبيبة سعيد ، صديقته و اول حب في حياته . فتحت الباب ، ذهلت . ظلت واقفة دون أن تنبس ببنة شفة . سألها : - اشتعمل هوني ؟؟

لم تجب أعاد سؤاله ليجيبه صوت من الخلف :- انت اللي اش تعمل هوني اما فيروز في داري في دار راجلها .

ابتلع سعيد ريقه . التفت ببطأ و اذ بأحمد خلفه  . أخذ ينظر بغرابة لم يتمكن من فهم ما حصل هل صديق طفولته تزوج بحبيبته ؟ لم يتمالك نفسه و لكم أحمد لكمة أطاحت به أرضا . اراد ان يضربه اكثر لولا تدخل فيروز التي وقفت حاجزا بينهما قالت : ما كنتش نجم نستناك اكثر في اي لحظة كان ممكن ايجيني خبرك .

لم يستمع سعيد اليها ابدا و مضى مبتعدا . يقاوم دمعه و يأمره بأن لا ينزل . خذله الجميع و أمسى صاحب الضحكة الفاتنة وجها شاحبا في عينيه خبأ الامه ...

بعد ان خذله الجميع لم يتغلغل الحزن في قلبه اكثر لكنه تناسى الامه و عاد هناك الى عرينه رافضا ان يخذل وطنه يوما

نرجس فرج
خيبة مقاتل