Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

ركين #42

manel-abdelwaheb-rakinManel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر


وقف أمام  باب منزل رجب...ذاك الذي تفرض  الجينات أنّه والِده... دقّ الجرس و بقي منتظرا لثوانٍ إلى أن فتحت أمامه الباب فتاة عشرينية توحي عينيها بحزن دفين...شبيه بذاك الكامن في روحه... سألته بصوت منخفض " تفضّل سيّدي، ماذا تريد؟"...

وقف صامتا لبرهة آملا أن يستجمع كيانه المبعثر ثمّ أجابه " أريد مقابلة السيد رجب إذا أمكن ذلك"... إبتعدت عن الباب كي تتيح له المجال للدخول... أوصلته غرفة الضيوف و طلبت منه أن ينتظر حتى تخبر صاحب المنزل أن هناك من يطلب رؤيته... و قبل أن تترك الفتاة فضاء الغرفة توجّه إلى بسؤال مباغت" هل تعملين هنا ؟"... توقّفت و أجابته بنبرة متقطعة تعكس صراعات مريرة تجتاح هذه الفتاة اليافعة " لا بل أنا زوجة رجب الجديدة... لم يمضِ على زواجنا سوى يومان"....

لم تنتظر ردّة فعل هذا الغريب و أسرعت نحو غرفة الضيوف الأخرى كي تخبر زوجها الذي أُجبِرت على الزواج منه، بحضور ضيف آخر... فليس آسر الوحيد الذي كان في حاجة إلى مواجهة رجب.... لقد سبقته إلى ذلك أمّه جميلة أو بالأحرى خالته جميلة... لم يتوقّع رجب أبدا أن تزوره جميلة... لم ينتظر يوما أن يواجه زوجة الرجل الذي كان سببا في موته و أخت المرأة التي حوّلته إلى مسخ يسكن فؤاده حقد أبدي تجاه النساء... إذا نسي كلّ شيء لن ينسى المرأة التي أحبّها حدّ الثمالة و حلم بها زوجة له و أمّا لأطفاله... كانت جميلة بكلّ كبريائها، وقارها و أنفتها التي لم تقلّ عن ذي قبل ، ماثلة أمامه...تنظر في عينيه بكلّ ثقة... و كأنّها تقول له... ها أنا ذا... تسبّبت في خسارتي لعائلتي... هجرت أختي حتى قتلت نفسها و أخذت أرض زوجي فمات قهرا و لكني لم و لن أنكسر.... لقد أخافه عنفوانها و الريبة تسكنه حول سبب زيارتها المفاجئة... همّ بالكلام و قبل أن يخرج صوته قاطعته نبرتها الواثقة " هل تذكر أختي زينة يا رجب ؟ هل تذكر زوجتك التي تركتها و إتّهمتها بالخيانة دون وجه حقّ ؟ هل تذكرها أم أنّك تتناساها كما تتناسى بقية ذنوبك و آثامك؟"... ضغط بقبضة يده على طرف برنسه...شدّ أنفاسه قبل أن يطلق ضحكة ساخرة تخفي وراءه إرتباكه و ألمه الذي خاله نائما إلى الأبد حتى أيقظته كلمات جميلة و نبشها في ثنايا الذاكرة و مقابرها المنسية... ضحك ملئ شدقيه قائلا " و هل بوسعي أن أنسى أختك الخائنة؟ لا لن أنسى ما فعلته بي ما حييت... أحببتها و تحديت أمّي من أجلها ... و ماذا فعلت هي في المقابل ؟ خانتني مع خادمي... على سريري... أنا الذي تزوجتها مغامرا برضا أمّي...خانتني مع خادمي...و تسألين إذا كنت قد نسيتها....

كلاّ و الله لم و لن أنساها...سأكرهها إلى ما نهاية " .... قال ما قاله ظنّا منه أنّها ستنصرف و لن تتحمّل ما قاله عن شقيقتها و لكنّه فاجأته...فبعد ما قاله تركت الزاوية التي كانت تقف فيها.... وضعت حقيبتها بكىّ ثبات على المنضدة... جذبت كرسيّا و جلست و هي تسوّي أطراف ثوبها بهدوء... وتّرته تصرّفاتها فإستقام واقفا و في نيّته طردها من منزله.... و قبل أن يترجم نيّته إلى كلمات، خرجت عن صمتها " أنت مثير للشفقة فعلا... لقد تلاعبت بك أمّك كما شاءت... تلاعبت بعقلك البسيط و إستغلّت ضعف شخصيتك و جعلتك تظّن أنّ المرحومة زينة قد خانتك مع خادمك محي الدين... لقد أتيت اليوم كي أثبت لك أنّك كنت و ستبقى غبيّا... دمّرت نفسك و دمّرتنا"... قاطعها و هوّ يصرخ فتراجعت زوجته، التي كانت أمام الغرفة، عن طرق الباب خوفا من غضبه...كان يصرخ و الألم بادٍ من إرتجاف صوته... كان يصرخ مردّدا " لقد خانتني زينة التي أحببت، خانتني و طعنتني في ظهري.... لن يغيّر كلامك شيئا"....لم يكن صوت جميلة أقلّ حدّة من صوته و هو تقاطعه ملوّحة بالهاتف في يدها " الآن سأثبت لك زيف إتّهاماتك لها... الآن سأكشف أمامك أنّ ذنبك تجاهنا لا يغتفر...

سأتّصل بمحي الدين و سيحدّثك بنفسه عن المكيدة التي إشترك فيها مع أمّك حتى تترك أختي دون رجعة"... إتّصلت بالمدعوّ محي الدين... تحدّثت معه قليلا قبل أن تمرّر لرجب السماعة... و ما إن وضع السماعة على أذنه حتى سمع ما لم يفترضه حتى في أسوء أحلامه... لقد إعترف له محي الدين أنّه إتّفق مع أمّه على التّسلل إلى غرفة نوم زينة لإيهامه بأنّه عشيقها مقابل مبلغ مالي ضخم مكّنه لاحقا من النزوح إلى العاصمة... و قبل أن يستيقظ رجب من الصدمة الأولى تفاجأ بآسر يدفع الباب و يدخل مسدّدا نظراته الثاقبة إليه... و قبل أن يستدرك أمره وجد نفسه أمام هول حقيقة حان وقت إنكشافها... تناهى إلى مسامعه صوت آسر، الذي كان أمام الغرفة حين كشفت جميلة المؤامرة التي جعلت رجب يترك أختها التي إنتحرت بعد إنجابها آسر بأسبوعين... خرجت كلماته كالسهام التي إستقرّت في قلب رجب " زوجتك لم تخنك بل أكثر من ذلك.... لقد كانت حاملا بطفلك و هذا الطفل قد أصبح رجلا الآن بفضل نور الدين و جميلة... هذا الرجل هو أنا... يا...أبي"....




منال عبد الوهاب الأخضر
Saveركين #42