Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

ركين #32

manel-abdelwaheb-rakinManel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر


خرجت من المقبرة و هي تحاول أن لا يلاحظ إبنها آثار الدمع في عينيها و على وجنتيها... تقدّم منها و أحاطها بذراعيه مقبّلا جبينها...رفع ذقنها و سألها " هل أنت بخير يا أمّاه؟"...ربّتت على يديه و هي تحاول، يائسة ، أن ترسم إبتسامة على ثغرها الحزين ثمّ قالت كي تطمئن وليدها " أنا بخير يا بني ما دمت أنت كذلك"... عاود تقبيل جبينها و تعبّق عطر رائحتها الندية... هي أمّه التي صنعته من العدم... أمّه التي ربّته و حوّلت ضعفه إلى قوّة و زرعت في نفسه إرادة النجاح... هي أمّه التي علّمته في أفضل المدارس من مردود عملها في صناعة الحلويات و المأكولات التقليدية... أمّه التي راهنت عليه بمجهودها و وقتها و عملها...

أمّه التي كانت و مازالت، تنهل من روحها و تعطيه... أمّه التي لم تزل جريحة جرّاء ما واجهوه من ظلم في قرية كفّ الصبي... يودّ أن يعرّفها على ركين و أن تستعيد علاقتها بقريبتها و صديقتها حليمة لعلّ إبتسامة حقيقة تزور ثغرها مجدّدا و لو كان ذلك لمرّة واحدة.... عادا إلى السيارة وواصلا طريقهما نحو منزل حليمة التي كانت تنتظرهما بفارغ الصبر...أخيرا ستعاود رؤية جميلة، رفيقة الصبا و الشباب...لقد أمضت ساعات و ساعات في ترتيب المنزل و إعداد ما لذ و طاب من الطعام إحتفاء بضيفتها المميّزة.... أمّا ركين فقد كانت منهمكة في آخر التحضيرات لبدء الدروس في مدرسة الأحلام الثانوية للفتيات....هذا هو الإسم الذي إختارته لمشروعها....كان لابدّ من أن تخلّد ذكرى أمها الحبيبة و ليس أفضل من المدرسة كي يحمل إسمها... كانت تتفاجئ كل يوم بإزدياد عدد الفتيات المقبلات على إتمام إجراءات الترسيم لإستكمال تعليمهنّ... لم تكن تتوقّع أن تجد نسوى القرية المستضعفات الشجاعة الكافية لجلب بناتهنّ من أجل الإلتحاق مجدّدا بمقاعد الدراسة التي حُرمن منها عُنوة....

كانت في مكتبها، تصنّف ملفات الطالبات حسب أعمارهنّ و المستويات التي إنقطعن فيها عن الدراسة حين تفاجأت بوقع خطوات تقترب منها بعد أن فُتح الباب... رفعت رأسها و هي تنتظر أن ترى أمامها أحد الموظفين يودّ أن يستفسر عن شأن ما و إذ بها أمام أكثر شخص تمقته في العالم... إنّه ذاك الرجل الكريه رجب.... تقدّم نحوها راسما على وجهه إبتسامة شريرة و كأنّه يقول لها " إلى أين المفرّ مني، لن أترك عيشك هنيّا بعد الآن"... تجمّدت في مكانها و لم تعد قادرة على الحراك...ليس فقط من هول المفاجأة و لكن لأنّها تخافه...تمسّكت بأطراف المقعد و كأنّها تطلب من الله معجزة تنقذها من براثن طليقها الأرعن.... لا أحظ يستطيع أن يتوقع ما يضمره هذا الوغد ضدّها و لا ما هو قادر على فعله فقط كي يؤذيها... ما نطقت بكلمة واحدة رغم أنّ أعماقها كانت تصرخ... كاد يقترب منها حين طُرق الباب من جديد فعاد أدراجه إلى الوراء... خرج صوتها مسرعا معلنا للطارق الإذن بالدخول... فُتح الباب و كان الواقف وراءه حبيبها آسر.... ملاكها الحارس... يبدو أن الله قد إستجاب إلى دعائها و أرسله في الوقت المناسب كي ينقذها... كانت تشعر أنّها عالقة في الفراغ...بين الفزع و الفرح...أخرجها صوته من فوضى المشاعر قائلا " حبيبتي ، لقد وصلت أمي و أتيت كي أصطحبك للقائها" .... قال ما جاء من أجله ثم إنتبه إلى الرجل الواقف قبالته، يطالعه بنظراته ثاقبة تكاد تنخر رأسه كما تفعل الرصاصة بصدر القتيل... إلتفت إليها متسائلا " من يكون؟"... و قبل أن تجيه عادت إليه صورة ذاك الرجل من أعماق الذاكرة.... صورة من بين الصور التي يحاول جاهدا أن يتناسها.... إنه هو... ذات الرجل الظالم الذي كان سببا في موت والده...


يتبع

منال عبد الوهاب الأخضر

Saveركين #32