تركت الغرفة راكضة نحو الردهة و تزامن وصولها صوب الباب مع وصول "سعاد" و "أمل"...." أمل" تلك الطفلة ذات الست سنوات التي بذلت "ركين" ما تملك من مساع كي تتبناها... قد إعتادت منذ أصبحت مستقلة مادّيا التردّد على دور الأيتام... تزور الأطفال حاملة لهم ما تيسّر من الملابس و الهدايا و الألعاب في محاولة منها لإزالة شيء من سقم أرواحهم... فهي تدرك جيّدا معنى الفقد و تفهم جيّدا معنى اليتم و ثقل الشعور بالوحدة في هذا العالم الواسع، البارد و البليد..
و قد صادفت "أمل" في إحدى زياراتها... بدت لها أكثر كآبة من غيرها من الأطفال... حتى أنّها لم تسعد مثلهم بما جاءت به من أغراض بل كانت تتّخذ لنفسها ركنا من أركان الحديقة... تجلس بلا حراك... وجهها خالٍ من الإنفعالات و ثغرها من الإختلاجات خلو الجثة من الحياة... كانت صامتة، ساكنة سكون الليل في عتمة الإنتظار... شدّت ظفائرها السوداء المسدولة حول وجهها الأبيض الملائكي المستدير إنتباه "ركين". ... و كأنّ ذاك الوجه كان يدعوها إلى أن تنظر إليه و تلمح الدمع المختبئ بين أهداب" أمل"...