Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

الوداع الأخير ...

amoureux-merKhawla Ayari - خولة العياري

كانت فتاة تشارف على الثلاثينات بقلب طفلة لم تتخطّى السابعة من عمرها تملؤها الضحكات و الأمل بارعة في ارتداء قناع الفرح و القوّة أمام كل من يحاول كسرها . كانت أنثى الغُموض و الصلابة و تفتح شهية الفضول لكل من مر بها ..

و كان ( هُو ) ضمن من مرّوا بها ، راودها مرارا فقط للحديث و كانت دائما تمتنع و اشتد اصراره وكانت هي تلعن الرجال لعنة شديدة تتالت الأيام و في كل يوم يزيد إصراره و كانت تتحدث إليه باستهزاء و ببرود يستفزانه تارة و طورا يجعلانه يضحك كثيرا أمام شاشته ،

كانت بالنسبة له شيئا مختلفا لا يشبههُنّ في شيء ، لقد بدأ يحل لغزها و يفكّ شفرتها ! نعم هي أنوثة متمنعة ممزوجة بعزّة نفس و صلابة لا تلين ولا شيئ يثيرها لأنها سئمت الرجال و لها بطولات كثيرة في قصص الحب .

مرت الأيام و أصبحا يتحادثان كثيرا لأنّه كان استثناءًا بالنسبة لها في كل شيئ ، هو من كان يتحمل عنفها و كبريائها وعنادها و صلابتها و سلاطة لسانها

لم يكن الحظ حليفهما في اللقاء و في كل مرة هناك ما يمنعهما و كأن الحب كلما اقترب أن يكون صادقا تكثر عراقيله ... دخلا في حالة هيستيرية من العشق و الحب جعلت روحهما تنسجمان انسجاما لا مثيل له ، لكنه بين الحين و الحين كان يغيب غيابا لا يجد له إجابات مقنعة ، غيابا كسر كبريائها و جعلها في كل مرة تغفر له دون الإلمام بالأسباب ، لم تكن تريد من الدنيا غيره و أحست أن جزءًا من رُوحها انسكبت في روحه ، كثرت غياباته و غابت حججه ، وكان في كل مرة يخجل من غفرانها و يحبها أكثر .

كان لقائهما الأول دون سابق إنذار أو تخطيط كما جرت العادة، عانقها العناق الذي طالما وعدها به ، إستمعا معا إلى أغنيتهما المفضلة و تبادلا بعض القبل الخجولة ، تحادثا كثيرا و نظرا سويا للبحر ، طلبت منه أن يطوّقها بذراعيه و أن يعانقها عناقا يقطع أنفاسها و لم تحاول أبدا النظر لوجهه كأنها لم ترغب أن تطبع ملامحه في عينيها كي لا تعذبها إذا غاب عنها مجدّدا ، هو كلّما ضمها إليه تنهّد بعمق ، تسأله عن السبب يجيبها بأن لا تبالي و بأنه يريح نفسه من إشتياق طالما أرهقه ، لم يكن لقائهما الأوّل عاديّا ، كانت بينهما عاطفة تجعلك عندما تراهما تقول أنهما زوجان أو حبيبان منذ زمن ! نظر إلى ساعته ، " يجب أن نعود يا صغيرتي " وافقته و لم تعرف كيف تخبره أنها مازالت ترغب في البقاء و أنها على يقين أنها لن تراهُ مجدّدا ، عادا أدراجهما و تبادلا رسائل حب و رسمت على و جوههم فرحة شبيهة بعذرية فتاة حالمة .. أسدل اللّيل ستائره ، لا يجيب على رسائلها ، لم يوقظها من نومها كعادته و هو في طريق العودة ..

إستيقظت مذعورة من كابوس مُخيف ، أضاءت هاتفها لم تجد رسالة و لا إتصالا ، إتصلت به مرارا لكنه لا يجيب تركت له رسائل كثيرة لم يقرأها ، لم تنم و قضت اليوم الموالي تحاول أن تجده لكنها أيقنت أنه إختار الغياب مجددا ، غيابه هذا الذي يقتلها حنينا و يزيدها حبا ، كل حواسها كانت تخبرها أنها المرّة الأخيرة لكل شيئ بينهما ، شيئ ما بداخلها جعلها على يقين أنه لن يعود مجدّدا ، قضت ليالي كثيرة تنتظره وأحرقت ما لا يُعدّ من السّجائر ...

نعم لقد أخبرها قلبها أنه كان الوداع الأخير ، أضناها الإنتظار ، إنتظرت آخر الليل بعدما مزّقها الحنين لمحادثاتهما ذلك الوقت و غزلهما اللّا منتهي ، جمعت كل ذكرياتهما و أرسلتهم له في رسالة شخصيّة و انتظرت برهة علّه يجيب ، و ما إن خاب رجاؤهاحتّى شرعت في قطع شريان يدها اليسرى ببطئ ، نعم ذلك الشريان الذي سرى فيه حبها لهُ ، لم تأبه لألمها ولا لدمائها ، كانت عيناها على شاشة الهاتف علها تفارق الحياة و هي تقرأ كلمة حب منه ...

إنّها سكرة الموت ، لم يمر أمامها شريط حياتها بل مرّ أمامها شريط اللقاء الأوّل ، عفْوًا شريط " الوداع الأخير " بينهما عندما أحست بدفئ حضنه و.تذكرت يوم عانقها فارقت الحياة مبتسمة و عاشقة ... في الأثناء كان هو قد أنهى العمل ، في طريقه للبيت يحاول الإتصال بها ليخبرها كم يفتقدها و كم يحبّها ، ليخبرها أنه لن يغيب بعد اليوم ، و يُفاجئ برسائلها تنهمر عليه كمطر شتاء لا يرحم ، إنهمك في القراءة و و اضطرب كثيرا ، نسي أنه كان يقود سيارته ... لقد لحق بها دون أن يخطط لذلك !

بقلم خولة العياري

الوداع الأخير ...