Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149
لو أن صوتك قابل للعناق .. !
Saida Jaafer - سيدة جعفر
لو أن صوتك قابل للعناق .. !
أمنية تمنيت لو أنها تتحقق فور تمنيها
أن أكون قادرة على معانقتك كلما كنا بعيدين عن بعضنا البعض ،مسافة كانت أو أحاسيسا
أدركت شدة رغبتي فيك إلى جانبي يوم شارفت على خسارتك للأبد
ذاك اليوم الملعون .. كم كان وجهي باكيا يومها، يوم أدلى لك الطبيب خبر إصابتك بسرطان القولون درجة رابعة، يوم ابتسمت أنت بوجهه و من ثمة أطلقت قهقهات متتالية تعبر عن عدم تصديقك له.
بالطبع لن تصدق، و لن أصدق أنا، و لا أحد من أفراد عائلتك ولا عائلتي كان ليصدق ..كنت في منتصف العشرينات و لا تزال شابا يضج بالحيوية والحماس للحياة، لم تكن تفارق صالات الرياضة قط، كنت تزعجني حتى، بعشرات الصور التي كنت تلتقطها هناك و تراسلني بها يوميا، حتى إني كنت أغار.. كنت أغار عليك من الفتيات هناك، أغار من أن تنظرن إلى صدرك العاري أثناء التدريب و تنبهرن بعضلاتك المشدودة و تغرمن بك فورا، كنت تنفجر بي ضاحكا كلما أخبرتك بذلك، تربت على كتفي بـكف يدك الرحب و من ثمة ترفعه إلى مستوى رقبتي فتمسك بها بكلتا يديك و تنظر لي عميقا في عيناي و تقول لي بأننا مخطوبان و إن لم نكن حتى، فلا شيئ كان سيجعلك تنظر لغيري أصلا.. لطالما أقنعتني بأنني أملأ عينيك جمالا و قلبك حبا، و لكنني أنثى، و إن عانقتني بشدة و أنسيتني سبب غيرتي حينها، فإنني سأتذكرها لاحقا، و أغار من جديد،.
أذكر جيدا أننا لم نتحدث مطلقا طوال طريق عودتي للبيت، كنت أترجاك أن نمضي وقتا أطول معا و نتحدث عما صفعنا به الطبيب منذ قليل، لكنك أصريت على أن تكون لوحدك معللا بأنك بخير و لكنني كنت على يقين بأنك لم تكن، سايرت اختيارك لكنني عن نفسي لم أكن بخير على الإطلاق، فـكيف بك..
لم أنم في تلك الليلة، لم أستطع أن أغمض جفنا واحدا و أنا بٱنتظار مكالمتك، دام حال اختفاءك أسبوعا، و هو ما صعب علي أمر إقناع والدي بأننا لم نكن على خلاف، و أنك كنت منشغلا جدا و حسب.
أما ما تلى ذلك فكان علي أن أكون هناك لأجلك، مهما كانت ردود فعلك تجاهي سلبية و رافضة لأن نتحدث حول الموضوع حتى.. طرقت باب بيتك بيد مرتجفة و لكنك كسرت توقعاتي.. عوض أن تصرخ بوجهي لأنني اقتربت منك في لحظات ضعف كنت لطالما تفضل أن تمضيها لوحدك كما عهدتك، كنت قد أمسكت بي من يدي و جررتني إلى غرفتك و طلبت مني أن أداعب شعرك كما كنت تحب أن أفعل، كنت أرى فيك وهنا يختفي بصعوبة خلف خضرة عينيك اللامعة بدموع تكاد تنزل فورا.. و لكنها فعلت، أذكر أني رأيت دموعك تهطل في تلك الليلة ،كثرت شكواك و انساب غضبك و ازداد ضعفك و اشتد مقتك للحياة فـكنت أراك تروح و تجيئ في الغرفة، يداك خلف ظهرك، تتمتم عن كيف ستخبر عائلتك و عن من سيدرب عوضا عنك في الجيم، و عن كمّ المصاريف التي ستتأتى من ورائك ،بعد أن كنت أنت من سيسددها مساعدة لوالديك،. هكذا كنت قد عهدتك، تهتم بغيرك قبل أن تعير انتباها لك أنت، تفكر في من حولك قبل نفسك، و هو ما جعلني أقع في حبك،. و لكنني رأيتك تتأذى الليلة، كنت تتحدث كثيرا و تقول ما لا يفهم، تنظر لي مطولا ثم تصيح "ماذا عن زواجنا المقرر بعد أشهر قليلة !! " ..
ثم تنفجر باكيا، و تحضنني بقوة لتثير بكائي من جديد، بعد أن أمضيت ليلة كاملة أبكي و وعدت نفسي أن أزورك قوية و أقويك.. لكن ها نحن ذا، ضعيفان معا،. لم يهمني ذاك الضعف بقدر ما همني أننا معا حينها.
كنت معك، يدا بيد حين أعلمت عائلتك و من ثمة ابتدأت علاجك فورا.. لم يكن موجعا بقدر أن تراني أنظر إليك و أنت تتلقاه و أكبت دموعي بداخلي، هكذا كنت تقول لي في نهاية كل حصة علاج، و من ثمة ترمقني بتلك النظرة الضاحكة لتذكرني لم وقعت في حبك من أول يوم ..كانت تلك النظرة التي تضحك قبل شفتيك، عيناك الضاحكة، نبرة صوتك،صوتك الذي لطالما تمنيت لو أنه قابل للعناق، لو أنه قابل لأن أحمله معي أينما أذهب، لو أنني أسجله في هاتفي و أستمع إليه كلما شئت، قد تظنها أنانية مني، لكني أراه حبا.. أراه عشقا لك كبر كلما عرفتك يوما بعد يوم..
تخيل أن أحبك بهذا القدر، ثم أكون مجبرة على خسارتك في غمضة عين، أن أراك تتألم أمامي و تكتم ألمك بكل قوة فيك، فقط كي لا تشعرني بما تشعر.. و لكنني ،و بـطريقة ما، كنت أشعر..
كنت أراك في عيني والدتك الخائفة، في عيني والدك الحزينة، في عيني اخوتك الصغار و نظراتهم الضائعة، غير فاهمين لما يحدث لك أصلا.. كنت لأرغب في ملاقاتك و البقاء إلى جانيك أطول وقت ممكن، و لكن تردي حالتك الصحية حتم على الطبيب أن يحضر علينا زيارتك سوى ساعة واحدة يوميا.. و هو ما كان يؤلمني أكثر ،أن أرى المرض يتقدم بك رغم كل العلاجات، و لا أقدر على أن أقوم بأكثر من الدعاء.. و معانقتك بشدة و شم رائحتك مطولا قبل انتهاء ساعة الزيارة التي تمر كما خمس دقائق إلى جانبك..
كنت أحشر رأسي في صدرك المليئ بالبقع الزرقاء و الحمراء الداكنة نتاجا للتحاليل و العلاجات المكثفة و التي كان يغضبني للغاية أنها لم تكن تجدي نفعا.. كنت أستمر في المسح على رأسك الذي وقعت معظم خصلاته، و لكنني كنت أمازحك بأنني حب مظهرك الجديد هذا حتى انك كنت تبدو جذابا أكثر هكذا، شبه أصلع، فتضحك، و تغمض عينيك مستسلما ليداي و هي تداعب رأسك،.تغمض عينيك بهدوء تام، و ابتسامة لطيفة تعلو ثغرك الجميل، كنت أراقب جمالك عن كثب و أنت نائم كما ملاك،. حتى إني شردت فيك مطولا، قبل أن تعيدني صفارة إنذار آلة القلب إلى الواقع، توقف قلبك و توقفت أنت عن التنفس حتى سكن صدرك عن الحركة، كنت لا أزال أحاول إيقاظك حين التف حولي الأطباء و الممرضون من كل صوب محاولين إبعادي عن سريرك عنوة و إخراجي بسرعة، كنت قد رأيتهم ينعشون قلبك بصعقات كانت تهز بجسدك بقوة، و لكنها لا تعيد قلبك إلى الحياة، بقوة كانت تجعلني أهتز خوفا في مكاني و أدعو الله بيدين ممدودتين للسماء، و من ثمة أجثو على ركبتي و أصيح منهارة بالدموع،. خرج الطبيب بعد دقائق معدودة برأس منحن و ملامح تكاد لا تفهم، ليفتح فاه بصورة رأيتها أبطأ ما يكون و يخبرنا بأنك متت.. لم يقل بأنك في غيبوبة، و لا أنك تحت العناية المركزة و حالتك تتطلب الإهتمام و الرعاية الشديدة و التي كنت لأهبك إياها كاملة و أكثر، لم يقل بأنك صرت عاقا تتنقل بكرسي متحرك حتى، قال إنك متت، أي فارقت الحياة، أي أنك فارقت حياتي، و حياة من أحبوك، أي أنك لم تعد موجودا !
أ تعي كمية الكلمات التابعة لكلمة موت، أي أن قلبك ذاك الذي استسلم للألم و توقف عن النبض، قد حكم على قلبي بالموت حيا بدوره،. أي أني لن أقول صباح الخير لوجهك كما عادتي، أي أن مزاحك الخفيف لن يغير من مزاجي بعد الآن، أي أن ضحكتك لن تضحكني بدوري بسبب أو بلا سبب، أي أن صوتك صار ساكنا، لا قدرة لي على أن أحضنه بعد الآن، لن أرى خضرة عينيك اللامعة التي أحبها، و لن أداعب خصلات شعرك مهما كانت قليلة،. أي أنك لم تعد هنا، فما أنا فاعلة هنا من دونك أخبرني !
تخيل أنني لا أزال أتخيل نفسي بالأبيض إلى جانبك، نتبادل نظرات عشق يحسدنا عليها الناظرون إلينا فننفجر ضحكا، أو نختبأ تحت سقف بيت واحد، يملأه حبنا العظيم و يكبر فيه اهتمامنا ببعضنا البعض، تخيل أنني أنام أحيانا لأستفيق و أنا أظنني كنت أرى كابوسا تركتني فيه لوحدي و لم تف بوعدك لي بأن تظل لجانبي، و لكنه كان واقعا، تخيل أنني يخيل إلي أني أراك في طريقي، يخيل إلي إني أسمع صوتك و أحتضنه قبل نومي، صوتك ذاك الذي كان سبب وقوعي في حبك، صوتك الذي لطالما تمنيت لو أنه قابل للعناق ،صوتك الذي كلما ظننتني أسمعه، أستفيق من كابوس حياتي حقيقي أنت غير موجود فيه لتخبرني بأن كل شيء سيكون بخير..
لو أن صوتك قابل للعناق .. !
سيدة جعفر
Website Design Brisbane
Tags: