Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149
مقبرة الذكريات
Houwaida Djerbi - هويدة الجربي
ٱتخذت مكاني في المقهى ككل يوم ، الذي اعتاد ان يرحب بي بمقطع موسيقي اجهل عازفه و لكن اعلم ان ذلك المقطع كان يقصد ان يبحر بي في المكان الذي سبق و قد غرقت به .. جلست على الكرسي الذي انزوى في ركن بعيد عن الموجودين و قد سبقتني قهوتي الى الطاولة .
ضللت أتأمل الحياة من تلك الزاوية الزجاجية ، لا أستمع الا لنفسي و لحفيف الاوراق امامي. أترشف قهوتي ، و أنظر للشارع ، لا أدري لماذا أصبحت أخاف أن أجلس طويلاً أمام هذا الجدار الزجاحيّ .. أحمل الكثير من الكلمات التي تتملكها رعشه شديدة في فمي منذ فترة طويلة ،
لا أعرف فقد صرت أخشى حتّى الكلام ، تريد هاته الكلمات أن تحطم الشراك الذي نصب أمامها و أحكم نبراتها البريئة .. لا زلت أترشف قهوتي و أجدّف بفكري المرهق و قلبي المرهف إلى الخلف ، أريد بلوغ شاطئ النسيان ، حتى و ان جدّفت برموش عيني اللتان قد ارهقهما البكاء .. اواصل النظر للشارع و لا اعلم لماذا اصبحت اخاف ان اجلس طويلا امام هذا الجدار الزجاجي ، فهو يعكس صورتي كما هي ،فيدقق في الجرح الذي ارتسم باتقان في وجهي و يذكرني بوجعه الذي احاول جاهدة ان اتناساه ، هذا الزجاج الذي ار ورائه ناسا كرهت نفاقهم كذبهم خداعهم و كيدهم .. اريد ان اخليهم مني لاحيا .. ----- لا زالت الكلمات تخوض معركتها مع الأشواك التي تجذّرت في حنجرتي المسكينة ، بنفسي ، بنفسي أسقيت تلك الأشواك قهوتي المرّة بعد ان اختلطت بالامي .. لم تستطع الكلمات النجاح في حربها هاته ، لم اشاء ان احولها الى بندقية مجرمة تقتل من يصادفها ، فتنتهي قصتي بانتحاري .. ---
لهذا ترجمت الكلمات على هذه الورقة الصديقة ، كانت مجروحة و مكسورة ، حتى قلمي بكى لحال الكلمات ، فلقد اعتادها قوية صارمة لتحييه من جديد ، و لكنها اليوم زادت قلمي مرضا و ضعغا ، حتى الورقة كانت تنزف دما ، بكى الحجر لحالي ، كل يتالم و كل يبكي .. --- مات النسيم الذي كان يحتضنني في المقهى ، النسيم الذي كان يساعدني على التجديف و الهرووب ، النسيم الذي كان نشافة حزني .. و لكني ها قد اقتربت اكثر و اكثر لجزر الذكريات .. --- آنتصبت أمامي عاصفة كحية رقطاء ، عاصفة قادمة من مقبرة اعتدت ان ازورها لابكي على قبر اعددته لجسدي ...--- لا زلت اترشف قهوتي كانني اترشف مخدر قاسي ، صلّب عروقي و آستنزف ما تبقّى مني من الدّم ، زاد هذا المخدر تمسكي بالكرسي و بالكأس الذي كاد أن يكسر من قبضة يدي القاسية .. -- ارتجف و بشدة ، و كلي يتحفز للانتقام ، لكن من مَنْ !!؟ ..
جلّ نبراتي مليئة بالغضب و الوعيد .. لماذا هذا الكره المفاجئ للناس و للحياه البلهاء !! .
و بين هامش هذه الأفكار مرّ بي زلزال هادئ ، زعزع قليلاً كياني ، قلت قليلا لانه سبق و قد رحل بأحلامي ، و حطّم قصور و قلعات أمنياتي ، فمرّ بي اليوم اشتياقًا لحسن ضيافتي و وقوفًا على الأطلال ، يتحسر على أيامي و على الكنوز التي سرقها مني و على أمالي .. --- أصبحت مخدرة كل لحظة و لحظة ، يكاد النفس أن يقتلع قلبي من عروقه القليلة المتبقية ، و لكننها لا تزال متشبثة ما دمت أسقيها القهوة المرة هاته .. --- ها قد بدأت الجمل بداخلي مقطوعتها بالأنين و العويل ... لا لا لا عليّ ان اترك هذا المكان و هذا الجدار الزجاجي فورا فلا استطيع تحمل هذه العقاقير الاضافية ابدا ، علي ان اهرب .. ---
لحظة تخطيَّ عتبة المقهى هطلت مطر الصيف الغاضب لتداعب آلامي ، لا بل هطلت لتخفي دمعات عيوني التي قد جهلت منابعها ، كانت دموعي تسابق المطر في الهطول ، سدٌّ و انفجر هي دموعي ! . امشي بخطى منكسرة ، احمل بيدي جثتي ، باحثة عن تابوت يحتويني و عن شاهد يضم اسمي .. فقدت السيطرة على كلماتي ، ضاع صوتي في أرجاء الشارع ، عمّ صراخي ، فأسكت الناس و صرت بمفردي امشي ببطئ في رواق الماضي البعيد ..
تصلبت قدماي ، ضعفت نفسي ، وارهقت خطواتي ، فجاءت رياح آذار لتهبّ مع آلامي قليلاً ، لتنجدني من عاصفه من حولي ... هبي يا رياح و اردمي الكذب ، الزيف ، الخيانة ، و الشرور في اسفل قاع الارض .. و ازرعي الارض ورود الحب و الهيام ، الحقيقة و السلام .. و لكن ماذا ساسقيها ؟ ها ساسقيها من طيبة الأطفال و بر ائتهم اخلاص الأوفياء ، و صدقهم .. -- كنت أتبع الرياح كالطّفل الذي ابتدأ تعلم الخطوات ، اتعثر و لكني أستند على بؤرة الامل التي تشع بداخلي و أقف من جديد ، لاحتضنها و نسير معا للعالم الآخر ..
------
عادت تلك المعزوفة الجنائزية ، و لكن ما الدّاعي منها الآن ، فقد كدت أرمي باوجاعي في هذا المستنقع الرّاكد !!! ..
تتبّعت مصدرها فوجدت نفسي وسط مجموعة من الناس تنظر الي و تتكلم بلغة لم يسبق لي سماعها ، و لم استطع حتى الكلام و السؤال .. ادرت ظهري و يا لرعبي!! وجدت نفسي وسطهم ، ارتدي فستانا اسودا يعكس حالي الآن ، ذهبت لاتحدث لنفسي و لكنها تجاهلتني و لم تجبني ... لماذا كل هذا النواح و لا احد يسمعني ، ها انا هنا ، انظروا الي ، اجيبوني !!!! . حتى بكاؤهم كان مقطوعة صعبة فك شفرتها ..
------
توقفت المطر عن الهطول ، و هبّت من بعدها نسمة باردة ترجمت لي هذه الرؤية التي هزتني فعلاً ، فالنّاس ليسوا الا مشاعري التي ماتت في ذلك المكان البعيد النّائي ، اشتاقت الي ، كانت تودعني بحرقة و بلوعة شديدة ... التهب قلبي نارا احرقت كل ما كنت افكر به منذ البدايه .. كانت هذه المعزوفة قاسية على مسامعه ... صرخت صرخت صرخت حتى ازداد الجرح في حنجرتي اكثر ، لم اكترث للدم الذي لون شفتي كاحمر الشفاه .. لم اكترث للوجع الذي تسارى في جسدي كالسم القاتل ...-------
حوّلت كلماتي للبندقية التي كنت اخافها ، و رسمت حدا جميلاً للحياه :')
بقلم هويدة الجربي
Website Design Brisbane
Tags: