و ككل ليلة تعود لغرفتها خائبة الظن تراها عديمة النور ، فارغة من كل شيء ، ترمي بنفسها على سريرها و تنظر لسقف غرفتها فهو شاشتها المفظلة الذي طالما رسمت عليه مستقبلها و ابتسمت و فيه تتذكر مواقف من الماضي فتسرح بخيالها لتعيشه من جديد ،

يكون جسدها على سريرها أما عقلها وروحها في صفحات الماضي : تتذكر حين كانت فتاة صغيرة لاتعد الثامنة حتى ، تتذكر براءتها و عالمها الوردي الذي كانت تعيش به لوحدها تتخلله فرحة آتية حين التقائها بأصدقائها ، حينها لم تكن تعرف للحزن عنوان ، يبدأ يومها بذهابها للدراسة و عودتها منتصف النهار  صحبة أمها التي تنتظرها يوميا أمام المدرسة.. و تجلس منتظرة مجيء أصدقائها ليعلنوا ابتداء ألعابهم عشية ، لتعود مساءا لبيتها و تنام براحة .

فتاة صغيرة عالمها وردي ترى الا جمال الأشياء من حولها ، كانت تصاب بدهشة حين ترى الكره و تعتقد أنها لن تكون كذلك قط .

كانت أيامها مليئة بالفرح ، يحزنها مرض صديق لها و عدم خروجه للعب ، ذلك كان أعظم أحزانها .. تنتظر قدوم رمضان لتعلن و رفقتها كل ليلة من لياليه حفلة تدوم لساعات الفجر ، كانت حديقة حيهم شاهدة على صغرهم و ألعابهم و جنونهم و حبهم لبعضهم ..

غلبتها دموعها و انتهى وقت العرض و الآن ما تعيشه مخالف لصغرها .. مرت السنين و تبخر كل شيء و استيقظت من غفوتها لترى أن عالمها الوردي قد ذهب مع سنين الصغر ..

صار الحزن عنوانها ، يبدأ يومها يذهابها لمعهدها و عودتها وحيدة آخر ا لنهار ، تجلس في غرفتها لكنها لا تنتظر مجيء أصدقائها لأنهم رخلو عن حيها ، رحلو و ضلت هي تعيش على أطلال الماضي و تنتظر حلول صباح جديد لتذهب لمعهدها و تتالى الأيام و تتشابه ، ظلت محافظة على برائتها و نقائها تحاول المكوث في عالم وردي حتى و هي وحيدة ، إلى أن صفعتها الحياة و أخذتها أمواجها و أخذت تتلاعب بها ، حينها أدركت سذاجتها في السابق و أدركت أن عالمها الوردي الذي تعيشه لم يكن الا ماضي صغرها و سوى خيال عند كبرها ، حينها لن تعد تصاب بالدهشة  حين ترى الكره فقد انتشر المنافقون من حولها ( ما أقبح أن ينتشر من حولك أناس يتلاعبون بمشاعرك و كأنك تلك الدمية المسلية عند انتهائهم منك يبحثون عن دمية أجمل .. )
صارت أيامها مليئة أحزان ، كل ما حولها يحزنها ، لم تعد تنتظر قدوم رمضان بشغف فقد رحلت لذته و لذة الاحتفالات به برحيل أصدقائها ، كل منهم يعيش عالمه ، باتت حديقة حييهم خالية من أصوات غنائهم و صراخهم أثناء لعبهم الغميضة و بحثهم عن الأغطية على أمل الفوز بدراجة هوائية ..

هكذا كانت أحلامنا بسيطة في الصغر  و هكذا كان رمضان رغم بساطته لكن له نكهة خاصة لا نجدها هذه الأيام ..