على جبيني يوجد جرح قديم ، حصلت عليه و أنا طفلة تركض بالشوارع ..

جرحي هذا ، لا يؤلمني اليوم أبدا و لا أذكر و لو قليلا أنه فعل حين إتخذ مكانه كوشم لا يمحى صلب ملامحي ..

لكن ما يكسر قلبي بعد هذه السنين هي الطريقة التي حصلت بها عليه ..

كنت الأصغر عمرا بين أطفال الحي ، و الأقل حظا على ما يبدو ،  

لا أذكر جيدا كيف إبتعدنا يومها عن المنزل ، و عن مكاننا المعتاد ، و قررنا بشغب أطفال أن ندخل بيتا قديما يحيط به سور شائك أو كيف سمعنا فجأة صوت الكلاب و هي تقترب منا و ركضنا نروم القفز من فوق السور العالي ..
ما أذكره جيدا ..  الطريقة التي تخلصت بها أختي مريم من يدي و أنا متمسكة بها حين كنا نحاول الهرب ..

كنت الأقصر ، و لم يسعفني طولي على الهروب ، و لكنها هربت ،  دفعتني بعيدا و إنتزعت من بين أناملي طرف ثوبها الورظي و تركتني أسقط ببساطة على الأشواك و الأحجار  ..

لم تؤلمني الكدمات ، التي ملئت جسدي و لا الجرح النازف الذي جعلني أرى الدنيا حمراء اللوم من حولي .. ما كسر روحي كان شيئا مختلفا ..

حملني صاحب البيت العجوز بين ذراعيه ، و حاول تهدئتي ، أخذتني زوجته لعائلتي و عوقبت أختي على ما فعلت ..

مرت الأن عشرون سنة ، عشتها إلى جانب مريم بأفراحها و أتراحها ، لكنني في كل ليلة كنت أحدق في وجهها بحرقة ، و أسألها بصوت خافت كيف إستطعت أن تتركيني يا مريم ؟

عشرون سنة .. و هناك جرح قديم في جبيني ، جرح يذكرني في كل مرة يمد فيه أحدهم يده إلي بأن ألفظها ، و ينهرني كلما تمسكت بغيري .. جرح علمني بدرس قاسي ، كيف يفقد الإنسان ثقته بالجميع .. حتى بنفسه ..  
لا شيء في هذا العالم قد يكسر الإنسان أكثر من خذلان من يحبهم ..