Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

أحلام كبيرة #5

attente-inquietudeEya Ben Gh'nia - آية بن غنية


نهضت ايلين من شرودها الذي طال لايام ، قررت البدأ ، من جديد ، ان تنسى ، لن تتوقف حياتها و لن تعيشش متعلقة بالماضي ، ذلك الوقح الذي يتطفل على حياتنا كلما نشدنا النسيان ، يود ان يوقفنا في منتصف الطريق ، مكبلين بالحنين ، ثم يغيب ، لا الراحلون يعودون ، و لا نقدر على احياء الامل الكامن بأعماقنا ..

تزينت ، كمن تتحدّى القدر ، بكحل شديد السواد يبرز عينان  بنظرات  حادة و قاطعة كحد السيف ، ترد بجرأة على السيف الذي قتل روحها ، و نكل باحلامها  ، عينان تخبئان اسرارا و حكايات ، عينان تنمّان عن ثقة و أمل و انتصار ،انتصار على الاحزان و الآهات و الدموع التي ذرفتها ، آن الاوان لتعود لركب الحياة ، ان تخرج للنور ثانية  ببسمة نرجسية و ارادة صلبة ..  

قصدت المقهى الذي لطالما كانت تتردد عليه  ، طاولتها التي كانت تجلس بها رفقة جاد كانت شاغرة ، اتجهت نحوها ، لكن أنفتها و عزتها صرخت بها منذرة ،  رفضت تلبية نداء الحنين ، و اتخذت لها مقعدًا قرب النافذة المطلة على الشارع الرئيسي ، لتطلب قهوتها المعتادة ..

ساعة من التحليق بالمارة ، تحرك السكر بهدوء ، كمن يحلم و يرسم لنفسه طريقا جديدة ،   تراقب الأطفال و تبتسم كلما رأت امراة تحمل رضيعها ، او محبين مشبكين الايادي  ، ترى فيهم الأمل ، ترى الحب و السعادة آتيان مهمى طال الزمن..   بعد مدة أحست  بشيء غريب يراودها ، نظرات شخص لا تنفك تراقب حركاتها و سكناتها ،  لتجده متقدما نحوها يطلب الاذن بالجلوس ...

طال الحديث ،هو ايساف  ، صاحب ملاهي عديدة بالمنطقة الساحلية ، يبحث عن فنانة ، او بالاحرى راقصة شابة ، مانفك يتحدث عن الاجر المرتفع الذي ستتقاضاه مقابل سويعات  كل ليلة ... كانت تريد البحث عن عمل ، و هاهي الفرصة الذهبية تتاح لها ، بداية جديدة لامعة ، زين لها العمل ، جعلها تحلم بالشهرة والمال ، لم تجن من وراء الحب و الاخلاق سوى الجروح و الندبات التي بالكاد اندملت  ، فوافقت على الفور ..

قبل السهرة ، اطالت النظر بالمرآة ، هل اختيارها صائب هذه المرة؟ اين ستؤول ، ؟ كيف هي النهاية ؟ يعود الانسان بعد لحظات ضعفه ، اكثر قوة ، و اندفاع  ، بطاقة اشبه بعاصفة هوجاء ، تجتاح كيانه و أحاسيسه ، تجعل المرأ يسعى لامتلاك الكون بلحظة ، بأية طريقة ، اذن ، فلا مجال للرجوع

تجملت ، فبدت فاتنة ساحرة ، بكحل اخفى الحزن القديم المكبوت بعينيها ، صعدت على المسرح ، كانت تفكر بالمحافظة قدر المستطاع على مسافة بينها و بين الجمهور ، الجمهور الذي لم يكن سوى عشرات المثمولين من المترفين و رجال الاعمال ، لكن أعينهم جردتها من ثوبها البراق منذ اول اهتزازة لخصرها المنحوت

كانت ترقص معلنة نهاية الاحزان ، تتمايل كطير سلم نفسه للنسائم ، و الاغاني في مسامعها كهدهدات ام لرضيعها  ..  

، مرت فترة العرض ، فرشت ارضية المسرح مالا ، علا التصفيق و رفعت الكؤوس معلنة عروض الظفر بها ، تسارعت دقات قلبها ، اشار عليها ايساف باحدى الطاولات و اصطحبها اليها ، انه اول زبائنها ، تتذوق صحبتهما النبيذ لاول مرة، تتأمل هذا الرجل الخمسيني المخمور الذي   حيّا ايساف بنظرة رضى ، يتمحص ملامحها ، مفاتنها ، نظرات أخافتها للوهلة الاولى ، ثم تمالكت ، "هذا طريقك يا ايلين ، خوضي التجربة للنهاية ، لا وقت للخوف "  تلاشت كل المبادئ للحظة ...

تمر الساعات لتدق الساعة الثالثة ليلا ، لم تعد تعِ اين تحملها ساقاها ، هي فقط تتبع ذاك المخمور ، هي صفقة ثمينة وقع عليها  ايساف ، فهي الوجه الجديد المشتهىَ...

تذكر جيدا ذلك الفراش ، يقشعرّ كل شبر من جسدها ، لا تشعر بيدي زبونها الذي لم يتح لدقيقة ان تضيع من وقته معها ، قبلاته و و لمساته ، لم تكن سوى صورة ضبابية ، مشهد سينيمائيّ رخيص ، رديء الإخراج ، كل ماكان يلوح امامها بوضوح هو مشهد الطغيان الذي حرق قلبها ، فضّ بكارتها و احتلال شرفها ، قبل اشهر ...  كانت اقبح و اشرس اللحظات ، و لكنها الان مع هذا الكهل الذي لا تعرف حتى اسمه ، تقدم عملها ، تقدم نفسها  وجبة شهية ، تتنقل يداه سابحة بجسدها ، يملكها بينما تغط روحها بنوم عميق ، بعين نصف مفتوحتين ، دموع لا تعلم لم نزلت ، لم يشعر بها الزبون حتى ...

صداع شديد جعلها تستيقظ صباحا ، لا اثر الّا لشخص قد رحل تاركا وراءه ربطة عنقه التي يبدو انّه نسيها ، تشمئزّ من رؤية نفسها بالمرآة بشال بالكاد يغطي نهديها و خصرها ...

كيف اصبحت بهاته الحال ، امازوشية هي؟ تسأل و تستجوب انعكاس عينيها دون رد  ، تذكر كلمات اساف بعد اول لقاء لهما ، "من يسلك طريقنا ، لا يمكن ان يعود ادراجه يا ايلين ، سيكون جريئا ، و بالمقابل ، سيحضى بسعادته ."

نعم ، لا يمكن أن تعود الان ، سيكون مصيرها الضياع حتما ، اغتسلت بمياه لم تتفطن حتى من انها شديدة البرودة ، افكار تتصارع برأسها ، كيف اصبحت عديمة الاحساس بهذا الشكل ؟ كيف ترضى ان تمتهن جسدها  ، و تبيع اللذة لمن هب و دب .

تتلقى مكالمة من صاحب الملهى بعد ساعة   ليهنئها بنجاح الليلة الفارطة ، و حفزها لليالي القادمة  ، لم تعلم اتفرح ام تحزن ، لكنها كانت تفكر بشيء واحد ، هذه هي الطريق الوحييدة التي بقيت لتسلكها ، لتكمل ، للنهاية ...

مرت سنتان ، ليشغل بالها زبون ،  احست انه يحمل قدرا هائلا من الحزن ، بدا كانه لا يضاجع امرأة ، بل كأنما يصارح الحياة ، كان كطفل صغير باكٍ ، بأول حضن فتح له ، شديد الغرابة ، و أصبح يعود كل ليلة ...

تذكر انها لم تذهب يوما للملهى ، بسبب صداع قد صاحبها منذ الصباح ، و على الساعة التاسعة ليلا ، يدق جرس منزلها واذ به واقف امام الباب ، ذاك الرجل الثلاثيني ، نذير ، لم تكن عليه علامات السّكر كالمعتاد ، جلس و تكلم بدون ان يمهد حتى "غريب أنا ، اتعلق براقصة شرقية لاترك لاجلها زوجتي  بعد اول يوم معها ، واركض الى هذا المكان ، اشعر باختناق كبير، كأني بيدين  تضيّقان الخناق علي ببطئ ، كشخص يهوى تعذيبي ، فأصبحتِ مهربي الوحيد ، لا تخذليني ايلين ، اعلم انّ طلبي غريب ، لكن اريده و بشدّة ، كوني لي ، لي فقط ، ارحلي من هذا المنزل ، غيري عنوانك وارفضي كل من يتردد عليك ، امنحيني املا جديدا للحياة ..."
 


آية بن غنية

أحلام كبيرة #5