Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

أحلام كبيرة #2

histoire-prostitueeEya Ben Gh'nia - آية بن غنية


ليلة شتاء دافئة نوعا ما، لا تزال تنتظره و لم يأت بعد ، مرّ أسبوع ، سبع ليالٍ ببردها و أمطارها و نيران المدفئة الملتهبة  كقلبها ...

هجرت منذ ايام النبيذ الذي لم تحبّه أبدا ، و في ليالي وحدتها ادمنت القهوة ، و استرجاع الماضي ، اصبحت شديدة العودة له ، لتذكر الخطوط العريضة له ..

تتذكر امّها ، تلك المرأة التي ترعرعت في الارياف قبل ان تسكن العاصمة ، فتركت الطبيعة على ملامحها لفحات قوة و براءة ..تذكر انها ايام المعهد كانت قد صدمت عند اعتراف احد رفاقها باعجابه بها ، و هي التي كانت تخفي عنه ذات المشاعر...

ربما كانت تعي جيدا ما ينتظرها ان علمت امها بالامر ، لم تحدثها يوما بهذا الغرض ، لكن كلامها عن بنات حيّهم الاخريات اللاتي كنّ يواعدن الشباب لم يكن يبشرها بخير ... تذكر جيدا انه اهداها يومها وردة  حمراء يافعة ، فما ان عانقتها بأطراف اصابعها حتى صبغ خداها بالحمرة ذاتها ، حياءً... لم تكن ايلين في صغرها فتاة فاتنة الجمال ، لكنها مع كل يوم يمرّ ، تزداد جاذبيّة ... اصبحت مع الايام محطّ انظار جلّ الشباب في حيّها ، و موضوع كلام النّسوة اللاتي يرين في مصادقتها للصبيان عهرًا ، و صارت النار التي توقد غيرة الشابات ، حتى اللاتي تكبرنها سنا ، فببساطتها و اناقتها ، و المسحة الخاصة التي تضفيها على مضهرها ، تصبح متألقة متفرّدة ، كوردة التوليب  ... هي فتاة بقلب طفلة حسّاسة و سريعة التأثر و البكاء ، ولكنّها تملك من القوّة ما يجعلها تقنعك تماما بعكس أحاسيسها ... عفويّة و ربّما عفويّتها كانت سببا في هجران كل صديقة لها ، اما بدافع الغيرة المجانيّة منها ، او باتهامها بخيانتها مع حبيبها بمجرّد انّها سريعة الضحك و كثيرة المزاح و بالمقابل ، سحرت العديد من الشبان ..

كان   لايلين دفتر صغير تسعى الّا تطاله يد ايّ متطفّل ، كان صندوق اسرارها و كنزا لم يكتشفه روّاد الادب بعد ، فقد كانت موهوبة ، تغوص بسلاسة في بحور الكتابة ، ليكون لها ، كما شخصيّتها ، سحر خاصّ ... هي تعتبر الكتابة طقسا مقدّسا من طقوسا العبادة ..فبالكلمات تضحك و تقهقه و تحب و تبكي و تتألم ...

تذكر جيّدا اوّل اسباب انقلاب حياتها ،  فبعد طلاق والديها و رحيل ابيها واختفائه ، مرضت والدتها ، لتكتشف انها طالبة الكلية ، مجبورة ان توفر مصاريف العلاج الباهضة ... لم تدر حقا كيف لها ان تاتي بها ، خاصّة انّ العلاج يجب ان يبدأ في غضون اسبوعين ...

كان ملاذها البحر منذ صغرها ، ذهبت عند الغروب لتستريح على شاطئه ، لتبكي و لتواسيها الامواج المتلاطمة التي خيّل لها للحظة انها تصرخ بصوت قلبها و ألمه ... و لم تشعر ايلين بمرور الوقت ، لتشعر بيد تمتدّ على خصلات شعرها الذهبية ، لتزيحها عن جانب خدها ، تجمدت اوصالها لوهلة الى ان بادرها صوت ذلك الكهل ، اشعث الشعر بخصلات شيب زادته وقارا ؛" ما لشابة مثلك ان تصنع في هذا الطقس في هذا المكان؟ ، الست خائفة من المسعورين الذين سيتواترون بعد دقائق على هذا الشاطئ؟ "

كانت تود ان ترد : " و ماذا انت بفاعل في مكان يتوافد عليه من سميتهم بالمسعورين؟ " و لكن لا تدري مالذي جعل لسانها ينعقد ، لتحاول الوقوف و الذهاب دون ان تجيبه ، و ما ان انتصبت قامتها حتى شعرت بدوار بدا جليّا على ملامحها، فسألها الرجل الذي لم يرفع عينيه عنها " أأنت بخير ؟ أتريدين أن أقلّك ؟ "

-"لا شكرا انا بخير"

*******

فتحت ايلين عينيها ببراءة طفلة صغيرة ، لتجد نفسها وسط فراش فاخر في غرفة لا تترك مجالا للشك انها جزء من افخم القصور .. لا تستطيع أن تتذكر ما الذي حدث بالتدقيق ، لكنها ما ان حاولت النهوض من الفراش حتى احست بالام في معصمها ووجدت عليه آثار خدوش خفيفة ... لا زالت تحاول التذكر ، تسمع صوت دقات ثلاث خفيفة على الباب ، يليها صوت يسأل ان كان بامكانه الدخول ، لم تجب ، ففتح الباب ، و دخل الرجل هو ذاته الذي التقته اليوم الفارط على الشاطئ ، تشعر بخوف يعتريها ، ترتعش كجرو قطّ مريض و خائف ، كان مضهرها جالبا للشفقة و جذّابا في آن ..

لاحظ "جاد"  ذلك ،  كهل اربعينيّ ، بمظهر رجوليّ بحت ، بقميص أسود و سترة كستنائية كلون عينيه الصغيرتين ،  من أمّ لبنانيّة و اب تونسيّ ، انها لعبة القدر ، فهي ايضا ابنة رجل لبناني ، تركها و عاد الى وطنه ..

وقف على بعد خطوات منها لكي لا يثير الريبة و لا يزيد من اضطرابها ، ليبادرها بابتسامة خفيفة زادته وقارا

-صباح الخير ، آسف لما حصل البارحة ، فقد اصابك دوار حاد لتفقدي اثره الوعي ، و لم يكن لي الا ان آتي بك الى هنا ، و اتصلت بالطبيب الذي وصف لك بعض المقوّيات و يطمئننا أنّ لا شيء خطير يذكر ، يبدو انك فقط لست مهتمّة بغذائك كما يجب .. "

"يطمئننا " من هو هذا الرجل الذي يجمع بينها و بينه في كلمة واحد ليزيل بها الحواجز منذ اول حديث ؟

لم تستطع الاّ ان تبتسم بعفويّة و ارتباك "عيشك " و كما لو كانت قد فقدت الذاكرة و استعادتها فجأة "امّي" قالتها محاولة النزول ليسرع و يمسك بيدها "لن تستطيعي حتى الوقوف الآن .. سأحظر لك الفطور ، و دواءك و بعدها على الاقل ، ستشعرين بتحسن، و اين امك ، هل هي بخير؟"

انفجرت بالبكاء لتحكي له على اثر ذلك كلّ القصة...

اصطحبها جاد ، او كما كان ابوه يصرّ ان يناديه "جلال" الى المشفى الذي ترتاده امها ، و قبل ان تدخل لزيارتها قال لها و عيناه لا ينضران لغير عينيها ،"سنقلّ امّك الى مصحتي غير بعيدة من هنا ، اعلميها و ساعديها على تغيير ثيابها ، و انا سأتكفّل بالاجراءات الادارية " لم يرد حتى ان يقول (سأتكفل بالمصاريف)

لم يكن من عادة ايلين ان تقبل اي مساعدة من احد ، لكنها هنا امام خيارين ، ان ترى شبح الموت يحيط بامها ، او ان تتبع جلال ...
آية بن غنية
أحلام كبيرة #2