Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

أحلام كبيرة #3

couple-histoire-folleEya Ben Gh'nia - آية بن غنية

تتالت الأيام ، اصبح جلال و ايلين حديث كل المصحة ، لسيقين كتوأم فرقته الاقدار والتقى صدفة.. كانت ايلين تنوي الانقطاع عن دراستها ، فهي لاتستطيع التنقل بين الكلية و المصحة و منزلها يوميا .. غير أن جلال منعها من ذلك ، و تكفّل بتنقّلها .. أصبحا الى حدّ كبير متقاربين ، جلال الذي تطلّق والداه منذ صغره ، عاش أشبه بيتيم ، لم يكن يلتقي بأبيه دوريّا الّا حينما بلغ الخامسة و العشرين من عمره و تسلم ادارة احدى شركات ابيه قبل ان ينتقل لادارة المصحة ... هو حساس بدرجة كبيرة ، غير أنه كرجال الشرق يخشى ان يظهر ذلك ، فهم غالبا  يعتبرون الصلابة و البرود أهمّ خصالهم ، لكن كثيرا ما كانت عيناه كفيلة بفضحه ، لمن يعشق لغة العيون ، مثله..

بدا على جلال في الايّام الاخيرة آثار قلق و ارتباك ، كانت ايلين قد بدأت تحس بذلك ، فهو الذي كان دائما مهتما بثرثرتها و دائم الابتسام عند التحديق بعينيها ، أصبح يعيش فترات متتالية من الشرود المرفوق بنظرات أسى بليغ .. فقد علم جلال بتعكّر حالة السيدة ماجدة ، والدة ايلين .. جسدها النحيف لم يتحمّل العلاج الكيميائي ، لم يكن له من خيار الّا أن يخبر ابنتها ، على الاقلّ ، سيمهّد ذلك لصدمة رحيلها ..


نزل االخبر كصاعقة على الفتاة ، لم تقدر على البكاء حتى ، و بعد دقائق من الصمت الذي كانت تسترجع فيها صور أمّها ، تلك المرأة الحديديّة القويّة ، التي خاضت حربين و كسبتهما ، حاربت عائلتها للزواج بأجنبيّ ، فهذا الحدث حسبه الجميع عارا ، و حاربت المجتمع تحت شعار "مطلّقة" هاهي الآن تستسلم و تخور قواها أمام المرض ..


بدأت أوصال ايلين ترتعش ، ترتسم على وجهها ابتسامة خفيفة تتحول الى قهقهات و دموع تنساب دافئة غزيرة من عينين غائرتين بسبب التعب ، و تبلّل خديّن قد شحبا .. حاول جلال تهدئتها ، قلبه بدأيخفق بقوة ، لم يحتمل مشهد بكائها ، بدت له كابنته التي لم ينجبها بعد ، فسحبها اليه بضمّة عفويّة  ، كان يعتصرها بين ذراعيه على قدر ألمها...


"الأسود لا يليق بك" هي كلمات قالها جلال في سرّه و هو يرى ايلين بثوب أسود ، و شال داكن ، وهي قابعة  وسط النّسوة الباكيات على رحيل السيدة ماجدة ... كانت المسكينة تنظر للمعزّين و المعزّيات بنظرات باهتة  ، تائهة ، مكتوفة اليدين و جلال يقف في باب الغرفة التي اجتمع فيها الرجال ،اين يتمكن من الاطلال بوضوح على غرفة الاستقبال اين تنوح النسوة ، و كان  يحدّق باستمرارفي الفتاة المسكينة ، العديد من الاسئلة تجوب ذهنه حينها ، كيف له ان يتعلّق بفتاة  تعرف عليها منذ شهر فقط ،هو الذي سخّر عشر سنوات من حياته للعمل لاغير ، كان يود ّ لو يحتضنها حينها ، كان يودّ حقّا لو انّها تبتسم و لو لمرّة ، فالالم الذي يجتاحها كان يشعر به هو الاخير ، كلما تفرّس في قسمات وجهها التي لم تزدها الدموع الّا سحرا ...


*****


عادت ايلين الى حياتها اليومية ،لم يتغير فيها سوى مبلغ شهري تحضى به مقابل عدم الانقطاع عن دراستها ، يحوله جلال لحسابها الخاص شهريا ، و كان شديد الاعتناء و الوله بها   ، تطوّر الحب الذي لم يكن له من مبرّر ليصرّحا به علنا و جهرا ، كانت ايلين تقول دوما "المشاعر لا تطلب اكثر من المشاعر ، الكلمات ليست الا فنا ، نتلاعب بها و نطوّعها على هوانا ..."


نعم ، الحبّ ليس الّا صلاة  نتضرّع  بها في  الاحزان ، و نسجد شاكرين في الافراح ، دخول  المساجد او الكنائس او معابد بوذا يتطلّب الخشوع و السكون ، كي تصل الصلاة للرّب ، و تمسّ قلوبنا السكينة .. الثرثرات ليست الا مهنة للكتاب ، للكلمات سحر مؤقت على القلوب ، لكن سحر عيون العاشقين لا يمكن الشفاء منه ...


تعوّدت ايلين أن تتناول الغداء يوميّا صحبة جاد ، كان قد تعوّدت مناداته بهذا الاسم ، فهي تقول دائما ان اسمي جاد و ايلين اجمل في جمعهما من جلال و ايلين ، كلما اعادت على مسامعه هذا القول كان يصر على تكرار اسم جلال ليثير غيضها ، و يحضى بنشوة عناقها عند طلب رضاها ... تعودا على التلاقي في منزله او احد المطاعم ...

توجّها يوما لمطعم جديد ، قال انّه لصديق له ، منذ الصغر ... جلسا بمكان قريب من النوافذ المطلة على البحيرة التي عكس ماؤها اشعة الشمس ليكوّنا مشهدا ساحرا بقدر بساطته ، و اذا برجل ذو لحية خفيفة و شعر اسود طويل كان قد ربطه بطريقة انيقة ،   بجسد رياضيّ تعشقه جل الفتيات يتقدم ليسلم بحرارة و ضحكات متتالية على جاد، و ما ان اكتفيا من حرارة اللقاء حتى التفت أيمن لايلين ليصيبه من الذهول ما لم يتوقّعه ، هي ذاتها الفتاة التي كانت عيناه تلاحقانها امام كلية الحقوق العظيمة تلك ، حين كان يقل صاحبته ، او صاحباته ... سلّم عينيها بكلمات شبه مبتورة يبتلع على اثرها ريقه و يسأل صديقه بسخرية بصوت خافت "اخيرا دخلت عالمي؟ مرحبا" فلم يردّ جاد عليه مكتفيا بنظرات حادة ...


لم يكن ايمن بالمثقف بل على عكس صديقه ، هو تافه منذ صغره ، حياته رتيبة لا تتغيّر فيها سوى ارقام مداخيل مطاعمه ، او ملامح صاحباته ...

اقترب موعد ذكرى ميلاد جاد ، لم تجد ايلين من فكرة افضل من حفل صغير لم تكن تعلم انها ستندم عليه ...

اتصلت بايمن لتحضّر صحبته المفاجئة ، زينت منزل جاد منذ الصباح قبل عودته من سفر كان قد غاب بسببه عنها اسبوعا ، ليأتي صديق الطفولة  ... دخل ليسلم بحرارة على ايلين التي تفاجأت بهذا السلوك ، غير أنها اعتبرت الامر عاديّا ... تبدأ بحماس و فرح مفرطين في آخر  التحضيرات ، و اذا بيدين تلتفان حول خصرها ، تعتريها رعشة تدبّ في كامل جسدها و تتجمّد في مكانها، تقفز من مكانها بشهقة خوف و غضب

"ايلين ، انت لا تعلمين اني اراقبك منذ سنة لتجمعنا الاقدار ، انتظر هذه اللحظة بشوق ...."

-"أجننت ؟ أنسيت أنّني حبيبة صديقك .."

وقبل أن تنهي كلامها صفعها أيمن بقوّة ، أمسك عنوة بشعرها ، لينال ما يريد ...

******

بادرها و هو يقفل أزرار قميصه "انت من اضطررتني لهذا الفعل ، كان من صالحك أن تجتنبي العناد"

-"لست الّا خسيسا وضيعا ، حيوان ... لن يغفر لك جاد فعلتك... "

و يمسك ايمن بايلين من يدها بقوّة ، يسحب هاتفه و يريها قائمة الاتصال "ماذا يمكن ان يصدّق جاد، من منّا سيصدّق برايك؟ انت التي التقطك من الشارع لتدخلي قصره ، ام صديق عمره؟ اصدّقتي قصّة الحب تلك؟ لا يتزوّج الامير بالفقيرة الّا في القصص الخيالية عزيزتي "

-"فقيرة لكني شريفة ، و سيصدّقني "

-"شريفة؟ يبدو انّك عزيزتي تنسين بسرعة ، ولىّ شرفك ..."

قطعت كلامه باكية "الشرف ليس غشاء بكارة ، يكفيني أنّ نفسي شريفة و روحي طاهرة ...."

********

باتت ليلتها في منزل جاد ،اين احترقت الفراشة بصمت ،    ، لم تقوَ على الوقوف ، تندب حظّها، تسترجع كل لحظاته معها ، تبا لكل شبر من جسدها مرت عليه يده ، شيء غريب تحس به ، كم كانت تشعر بالقذارة حينها ، أفكار مجنونة اجتاحتها ، العار الذي حملته غصبا عنها يؤجّج بداخلها دافع الرّحيل ، ربّما الرحيل من هذا المكان الذي يذكّرها بما عاشته ، لم تخسر عذريّتها ، بل انكسرت أنفتها ، دماء كرامتها هي التي لطّخ بها السرير الذي شهد على هذه الجريمة ، الجاني وحش لا تتمكن من ادانته ، و المجني عليه روح تائهة ، جريمة شنعاء لن يتمكّن القانون من البتّ فيها ،لن تتمكّن من انصافها الشرائع السماوية ، مالذي ستستفيد لو صرخ كل العالم بصوتها ...، لم سمح جاد للخادمة أن تحضى بعطلة حينها؟ ، لو كانت موجودة لما حدث ما حدث ... آلام جسدها لم تعد تضاهي آلام روحها ، أهذه هديّة ايمن لجاد في عيد مولده ؟أهكذا يكافئ صداقتهما ؟ أتخبر جاد فور مجيئه؟ لا ستعكّر مزاجه و لا تعلم مالذي يمكن أن يحدث حينها! و مالّذي ستقول له؟ لأيمن خطّة مرسومة  بدقّة و معه الدليل  ، امّا هي فليس لها غير ألم و جرح كرامة من المستحيل أن يندمل ، و عشق يعتمل بصدرها ....

أهذه هديّة ايمن لجاد في عيد مولده ؟أهكذا يكافئ صداقتهما ؟ أتخبر جاد فور مجيئه؟ لا ستعكّر مزاجه و لا تعلم مالذي يمكن أن يحدث حينها! و مالّذي ستقول له؟ لأيمن خطّة مرسومة  بدقّة و معه الدليل  ، امّا هي فليس لها غير ألم و جرح كرامة من المستحيل أن يندمل ، و عشق يعتمل بصدرها .... و  انتقام ...

اتى جاد ، لم يجد ايلين لتنتظره في المطار ، خاف أن يكون قد أصابها مكروه ، اتصل بها فلم تجب ، زادت حيرته ، هي تعلم بالتدقيق متى سيأتي ، مالذي يبرّر غيابها ! أسئلة عديدة تجوب ذهنه وهو يقود سيارته مسرعا ، طيلة الأيّام التي قضّاها في سفره صورتها لم تغب عنه للحظة ...

فتح  الباب ، سكون رهيب مخيّم على المكان ، و اذ بأيمن يصل ليعانق "أخاه" كما يحلو له ان يناديه ، و بعد ان دخلا ، رفع جاد رأسه ليرى جميلته تنزل الدّرج بخطوات أنيقة ، بثوب أبيض يكشف بياض ساقيها و جمالهما ، بابتسامة طفلة بريئة و نظرات تفضح عشقها تستقبله ، تقفز بين ذراعيه لتطلق العنان لدموع غزيرة علّها تغسل قذارة ما تعرّضت له ...

-"روحي ... لم كل هذا البكاء ، أعلم أنّك مشتاقة لي ، لكني لا احتمل دموعك ، كفي عن البكاء رجاء" يرفع رأسها لتتعانق نظراتهما ، كانت عيناها تودّان لو تبوحا له بكلّ ما جرى ، ان تمرّغ رأسها على صدره و تشكو ..

قطع هذه اللحظة أيمن بكلمات مبتذلة "يا لروعة هذا المشهد ، أدام الله حبّكما "

رغم ما بدى من عفويّة و طبيعيّة تصرّفات ايلين الّا أنّ جاد لم يكن مطمئنّا ، أطفأ الشموع و سهر برفقتهما ، و عندما تأخّرت الساعة أشار على حبيبته بالعودة الى منزلها .

لم تتفوّه ايلين بكلمة طيلة الطريق ، كانت شاردة ، أمسك جاد بيدها ، قبلها و وضعها على صدره ، فابتسمت أخيرا ، و بنظرة عابرة لاحظ خدوشا على يديها و ما ظهر من ساقيها ، سألها عن سببها فارتبكت ، أتخبره أنّه وحش ضارٍ يصطنع الوفاء له قد خان صداقته ليضفر بها عنوة؟ اكتفت بابتسامة كتمت بها بصعوبة بكاءها و قالت أنّها قد تدحرجت من على الدّرج ... لم يقتنع ، لكنه اكتفى بقبلة من جبينها ليودّعها و يتمنّى لها ليلة سعيدة..

لم تعد تقدر على النوم ، كل ليلة تمضي الّا و قد زادت من هالات عيناها و ذهبت بقدر من جمالها ، أصبحت تعاني من آلام مزمنة تقطع معدتها ، امتنعت عن الأكل الّا بضع لقمات تجامل بها جاد الذي أصبح بدوره مشغولا بالتغير الذي أصابها فجأة ...

لم يكف أيمن ما ألحق بالفتاة المسكينة ، لكنّه أصرّ على الاتصال بها و محاولة تهديدها باصطناع قصة عشق وهمية بينهما ، و انها هي التي كانت تتقرب منه ، فاستسلمت اخيرا و قبلت بحضوره الى منزلها ، مساء يوم ثلاثاء خريفيّ تذكره جيّدا ، كانت تدعو الله ان تجد لها منه مخرجا ، فعدّلت هاتفها على تسجيل ما سيجري ، فتحمله على تهديدها ثم تطرده ، لتملك برهانا يخفف آلامها ...

لم تعلم ايلين انّ جاد كان قد اطلع على جوال صديق عمره ، لتقع يده على رسالة نصّية حددت فيها موعدها مع جلادها ، فانتظر أيمن في مكان مخفي نوعا ما حذو منزلها ، هاهو يدخل العمارة ، لم يقدر على التصديق ، ثار و لم يتمالك نفسه ، دماؤه تغلي و نبضه يشتد ، و ما ان فتحت ايلين الباب لأيمن حتى لمحت  المصعد ينفتح من جديد  ، لترى جاد ، لم تصدق ، لم يصدق هو الآخر ، خيانتان أمامه ، صديق و شقيق روحه ، و الفتاة التي جعل حياته حلما لطيفا ،هو أمام الجرم الأعظم ، لم تستطع ايلين تحمل صدمتها و خيبتها ، تهاوت على الأرض ، كان جاد يتأمّلها ، يتذكر أول يوم رآها ، أغمي عليها حينها ، يتذكّر ملامح ملائكيّة أسرته حينها ، لكنه الآن لا يقدر أن يعلم ما المشاعر التي يمكن أن تكون بصدره لها ، هي ملقاة على الأرض ، قلبه أيضا قد هوى و تحطّم قبلها .. القى نظرات أخيرة عليها ، و نظرة ازدراء عابرة لأيمن ... ثم انصرف


آية بن غنية
أحلام كبيرة #3