Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149
ركين #11
كان الغضب يتطاير من عينيها... و كأنّها تلقّت لتوّها صفعة قويّة على وجهها من حيث لا تدري... و لكنّها الملامة الوحيدة على هذا الوضع المخزي الذي وضعت نفسها فيه... من يكون هذا المغرور حتى يتجاهلها بهذا البرود القاتل... و لكنّها لن تسمح لهذا الهجوم المباغت بالإطاحة بها...
إستجمعت شتات نفسها و أجابت على سؤاله السخيف قائلة: " عفوا... و لكن أظنّني أخطأت الرقم... آسفة مرّة أخرى"... أغلقت الهاتف و أخذت تقضم أظافرها حنقا... كانت لم تزل بعد في ثورة عارمة على نفسها و على ما إعتبرته تصرّفا غبيّا حين قاطعتها" حليمة" و هيّ تعلّمها بحضور المحامي الذي جاء يصطحبهما إلى الدوائر الحكومية لإنهاء أمر الميراث...
*********
مرّت ساعتان على إتّصالها به... ساعتان و هوّ يحاول ان يتصّرف و كأنّ شيئا لم يكن ... و كأنّها لم تتّصل به بعد أن أخلفت الموعد الذي كان بينهما ... و كأنّها لم تتعامل معه بتعال و كبرياء و لم تعتذر حتى على عدم حضورها... كان في الإستديو خاصّته يحمّض بعض الصور التي إلتقطها حديثا لبعض معالم حضارة المايا الموجودة في ولاية كينتانا المكسيكيّة الجنوبيّة....ووجد نفسه غير فادر على تجاهل إتّصالها رغم ما بيّنه لها من لامبالاة لا متناهية...هو لم يكترث يوما ببنات حواء و لم يعر إحداهنّ إنتباها كالإهتمام الذي سرقته منه هذه الخزّافة رغم أنّهما لم يلتقيا سوى مرّة واحدة ... لقد لمح في عينيها ما أمضى حياته برمّتها يبحث عنه، إنّه الدفئ ... أجل...هوّ كذلك...في لمعة عينيها شيء عجيب يجعل الناظر إليهما يشعر و كأنّه مسافر متعب وجد مرفئ يلجأ إليه في ظلّهما...لقد كان وجههما يحمل جاذبيّة من نوع خاص... إنّها جاذبيّة الحزن الجميل ...
******
في الطرف الآخر من العالم كانت "ركين" تحاول أن تنقّي ذهنها و تركّز فقط على ما تودّ إنجازه....سارت الإجراءات بسرعة و إنتقلت ملكيّة الأراضي و العقارات من خالها إليها و إلى "حليمة"... و على الرغم من محاولتها الإنغماس في شعورها بالنشوة، خاصّة بعد أن أخبرتها "حليمة" بأنّ خالها قد أمضى أيّامه الأخيرة و هوّ يتحسّر على عدم قدرته لقاءها و طلب السماح منها على ما سبّبه لها من عذاب...و لكنّ سعادتها لم تخف إمتعاضها من تجاهل "آسر" لها...توقّفت السيّارة في مدخل القرية بطلب منها...فقد إجتاحتها رغبة ملحّة بزيارة قبر أمّها...أمّها التي لم تزر قبرها منذ وارت الثرى حياتها في هذا المكان ... تركت السيّارة و إتّجهت نحو المقبرة...ولجت البوابة الخارجيّة و أجالت ناظريهاابين القبور باحثة عن الشاهدة التي تحمل إسم والدتها، تاريخ ميلادها و تاريخ وفاتها...أدرك بصرها المكان الذي يرقد فيه جسد والدتها... ذاك الجسد الذي أوهنته الحياة قبل أن يفتك به المرض...تقدّمت نحو القبر و هيّ تحبس دمعها...
فتحت قنينة الماء و سكبتها فوق القبر و كأنّها تروي عطش أمّها التي إشتاقت ملقاها...ثنت ركبتيها ووضعت رأسها على حافّة الشاهدة و كأنّها تضعه في حضن أمّها...كانت تبحث عن كلمات تعبّر عن الشجن الذي يسكن قلبها.... كانت تحاول القبض على صوتها الذي يهرب منها في شكل شهقات دون أن تدركه...كانت تصارع ضعفها حتى لا يطفو على السطح حين قاطعها صوت خشن..صلب...تملؤه القسوة... إنّه صوت مألوف بالنسبة إليها...تناهت كلماته إلى مسامعها فخرقته كما تخرق الرصاصة صدر المصاب...إنّه هوّ... "رجب " ... زوجها السابق....ذاك الرجل الذي إقتحم طفولتها و ذبح أحلامها...بل حرقها و أحالها إلى رماد...ماذا يريد منها بعد؟ هل كان يراقبها أم أنّ وجوده في المقبرة تزامنا مع وجودها محض صدفة ؟
Website Design Brisbane