Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149
ركين #10
أمضت "ركين" ليلتها في صراع بين إرتياحها لقرارها الذي بات يقينا و عاصفة الذكريات الأليمة التي عصفت بقلبها الذي لا يملك تجاه هذا المكان البغيض سوى مشاعر الألم و الأسى... لكنّها لا تستطيع إنكار أنّ سلواها الوحيدة في خضمّ كلّ ما تمرّ به الآن هيّ مساندة "سعاد" و "حليمة" للحلم الذي تروم تحويله إلى حقيقة...حتى أنّها لم تتفاجئ بقرار زوجة خالها التي عزمت على تحويل هذا المنزل إلى مقرّ للمدرسة الثانويّة...
فقد أمضت هذه المرأة حياتها وحيدة رغم أنّها كانت متزوّجة و هي تخشى الوحدة و ترجو أملا ووئاما من "ركين"...تلك الفتاة التي كانت بمثابة إبنة لها طيلة السنوات التي أمضتها في قرية "كفّ الصبّي" بعد وفاة والدتها...حاولت أن تنسى ، أو على الأقلّ أن تتناسى، كلّ ما مضى في هذا اليوم المتعب جسديا...المرهق نفسيّا...أغمضت عينيها تستجدي النوم بين جدران تضيق أنفاسها بينها...
إستيقظت و هيّ تردّد إسما واحدا..."آسر"... ربّما لأنّها حلمت به... أو ربّما لأنّ إقامتها في ذات الغرفة التي كانت مكانا يتفنّن في تعذيبها ذاك الرجل الذي جعل منه القدر وليّها الشرعي، و مواجهتها لمخاوفها و هذا التحدّي الذي تخوضه الآن يذكّرانها بما قاله في شأنها حين تعارفا...لقد قال عنها أنّها إمرأة ملغّمة بالألغاز تلفّ نفسها بهالة من الغموض كما تلتفّ زهرة التوليب حول نفسها و تبهر كلّ من يراها...و كأنّها تدعوه إلى سبر أغوارها...إبتسمت ملئ شدقيها...فقد سكنت ملامحه ناظريها... قامته الطويلة... شعره الأسود الداكن... بشرته الحنطيّة و تقاسيم وجهه القاسية تأكيد على إنحداره من بلد متوسطيّ... كلّ ما تذكرت مروره اللطيف في حياتها مالت إلى إغماض عينيها و إكمال الحلم...
هيّ حقّا عاجزة عن تحرير أفكارها منه...لقد سمعت في أحد البرامج الإذاعيّة ،التي إعتادت الإستماع إليها ليلا حين يهجر النوم جفنيها ، أنّ التفسير الوحيد لعدم قدرتنا على إخراج أحدهم من تفكيرنا هوّ أنّنا ندور بخلده أيضا و نأبى مغادرة عقله و قلبه معا...إتّسعت عيناها و زادت إبتسامتها عمقا حين تذكّرت باقة التوليب الأبيض الذي أهداها إيّاها...
لكنّها فعلا حمقاء...فقد تجاهلت الدعوة التي وجهّها لها كي تزور إستديو التصوير خاصّته بل أنّها لم تكلّف نفسها حتى إرسال رسالة إعتذار أو تبرير لعدم حضورها في الموعد الذي حدّداه مسبقا حين هاتفته لشكره على باقة التوليب...تستغرب تعلّق أفكارها به و إهتمامها بشأنه و الحال أنّها ما إهتّمت يوما برجل رغم أنّ الكثيرين منهم كانوا ، و مازالوا، يطلبون ودّها و يتقرّبون منها.... وجدت نفسها تتناول حقيبة يدها و تبحث بإصرار عن البطاقة التي تحمل رقم هاتفه...وجدتها بعد عناء و بعد أن قلبت مجتوبات الحقيبة كلّها...ألتقطت هاتفها و إتّصلت به...طال الأمر قبل أن يردّ على إتّصالها...ما إن تناهى صوته إلى مسامعها حتّى سرت رعشة خفيفة في جسدها...من رأسها إلى قدميها....و كأنّ تيّار كهربائيا لطيفا لطافة النسيم العليل في حرّ الصيف قد صعقها....
و لكنّ ردّه البارد قد أعادها إلى أرض الواقع و ذكّرها أنّها تعاني عجزا فطريّا على التواصل مع الرجال...لقد فاجأها تجاهله إيّاها حين ذكّرته بنفسها قائلا " عفوا و لكن من تكون ركين ؟ ".... هذا لم تضعه في الحسبان... أن تكون مجرّد بخار...تطاير و إختفى من سماء حياته منذ ذلك اليوم الذي أرسل فيه التوليب لها...
Website Design Brisbane