Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

ياسين صالحي : كوميدي تونسي يحقق نبوءة سعيد ناشيد!

yassine-salhi-comedyImen Soudani - إيمان السوداني

أتذكر جيدا ملامح اشمئزازي و استغرابي في هذه السنة الدراسية من عنوان المادة -خارج الاختصاص- التي ندرسها "أنثروبولوجيا الضحك " أرى كما كنت دائماً العالم ببساطة أكثر ،فلا يستحق فعل الضحك عندي تدبرا أو تساؤلا أو بحثا أكاديميا أو أنثروبولوجياً ،ردة فعل بسيطة تجاه حدث أبسط هكذا كنت أرى الضحك بتلك البساطة و تلك السذاجة فلم تقنعني المحاضرات الطوال عن الضحك لبرغسيون أو أنثروبولوجيا الانسان الضاحك لبروتون أهمية هذا الفعل البسيط أو دوافعه و الياته لكن مقاطع فيديو قصيرة و متناثرة لذلك الممثل "ياسين صالحي" قد نجحت في توقفي عند فلسفة الضحك،أن الأمر ليس بديهيا كما كنت أتصور ،أن الضحك مثلا ظاهرة اجتماعية بالأساس لا وجود لضحك دون وجود إثنان أو أكثر،أن الفلسفة ،السؤال في نهاية المطاف يمكن أن يصنع الضحك !

و هذا هو سر تفرد هذا الممثل ،اعتماده جدلا و حصرا على الفلسفة ،لا أعني بالفلسفة هنا عرضه لمقولات فلسفية أو شرح دراسات أكاديمية،هذا الممثل قد نجح فيما فشلت فيه المدارس و الجامعات و البرامج التعليمية ،قد نجح في جعل السؤال الفلسفي أسلوبا لليومي ،فكما تتساءل عن مهامك لليوم أو على طبق فطورك أو عشاءك يمكننا أيضا التساؤل على ماذا لو كان وجودنا هذا وهما داخل عقولنا فقط ! كيف ستكون حياتنا  ،أفكارنا ،ادراكنا ،لو كنا حشرات مثلا أو حيوانات ،هذه منطلقات ياسين صالحي في بناء الكوميديا ،أو كما يسميها هو الكوميديا الهادفة ،التي تحقق رهانات الفلسفة عند سعيد ناشيد رهان "التداوي بالفلسفة " فالضحك و إن كان يحمل في داخله شيئا من الشر أو العنف ،إلا أنه ينجح بشكل لافت في مقاومة كليهما ،و هذا هو عيناّ معنى أن تداوى فلسفيا أن يهبك السؤال الفلسفي مقاومة أكثر نجاعة ضد الشر و البؤس .


يستبطن بعضنا أو جلنا فكرة سخيفة مفادها تناقض الضحك مع الفلسفة ،فهي تنتج في النهاية عملا جديا ،تأملا ،فكرة، أما الكوميديا فهي تتقاطع حتما مع البلاهة و الحمق ،نتج عن هذه الفكرة تصورا شعبيا أو حتى نخبويا أحيانا( انظر مفهوم الضحك عند أرسطو)  أن من يتفلسف يكون حتما عبوسا لا تضحكه نكات المارين ولا ضحكات الجالسين ،فالضحك عنده رديف للغباء و التفاهة.

و هذه النظرة السطحية للفلسفة و الضحك على حد سواء عمقت الهوة بين التفلسف و الواقع ،فكأنما تتخيل الفلسفة بأنها فرط من الجنون أو السحر ،فاصلاح هذا الخطأ الابستيمولوجي من شأنه أن يعيد للفلسفة ألقها و دورها -الذي أقصيت منه - و هذا مايعمل عليه تماما" ياسين صالحي " التصالح بين الفلسفة و الكوميديا ،بين التأمل و الضحك ،فالفلسفة تخاطب الإنساني فينا تماما كما الضحك فمَ المانع إذن إفراد الضحك بتقنية التفلسف ؟
يبدو أن اختراع الضحك لم يكن نتاجا للفراغ أو التشويه كما تحاول الفلسفة الموضوعية إقناعنا ،بل هو محاولة جدية في التفكير في الوجود و تحمل قسوة معناه ،فالذي لا يؤمن "بشرعة الضحك" ( استعارة لفظ نتيشه) لا يؤمن بنفسه ولا يصدق إنسانيته أو غيريته ،فالضحك موقف ،حيلة الفوز بالحياة البسيطة و هذا هو رهان الفلسفة اليوم ،فالتداوي بالفلسفة يمر دوما بخطوة سابقة ،هي خطوة الضحك من الفلسفة و بالفلسفة أيضاً.

إيمان السوداني

ياسين صالحي : كوميدي تونسي يحقق نبوءة سعيد ناشيد!