Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

رواية "انتصاب أسود " لأيمن الدبوسي :تجربة أناركية خالصة

imen-soudaniImen Soudani - إيمان السوداني

إن رواية انتصاب أسود كانت منذ صدورها سنة 2016 مجال جدال كبير ،تراوح بين نزفها من الإطار الأدبي الى اعتبارها ماخور لغوي ركيك تفوح منه رائحة المنيء و القيء و ثمة أيضا من إعتبرها رؤية معاصرة للأدب الأيروتيكي و دعوة الى ثورة عن النظم و الأخلاقويات .

لكنني في هذا المقال سأحاول قراءة هذه الرواية بمنظوري الخاص بعيدا عن التحامل أو التقديس .

الحقيقة تقال أنني منذ زمن بعيد لم أستمتع برواية كهذه ،لقد أمتعتني مع تحفظي على بعض الهفوات هنا و هناك و لكي نكون منصفين فان رواية "انتصاب أسود " أبعد عن الأيروتيك و ان كانت المشاهد الجنسانية و الاباحية غزت النص ،فان هدف الكاتب كان أبعد من ذلك بكثير ،فالرواية كانت فعلا ثوريا بماهي قطيعة مع الأخلاقيات الجاهزة لمفهوم الثورة نفسه ،الراوي أقام ثورة على الثورة ، الدبوسي كسر الجليد الذي فيه و فينا ،أقام ثورته الخاصة و ما ملامح الفوضى التي نراها إلا تمثل ذاتي للحرية بماهي فك للقيود الثقافية و الاجتماعية و السياسية أيضاً ،فالراوي قد صنع عالم مواز لا قوانين فيه ولا نظم سوى الجانب الذاتي من الحرية انه غاص بتجربة أناركية عميقة و خالصة، فالرواية اذن دعوة الى الهدم و تدنيس كل مقدس يحد من فضاءنا اللامنتاهي .

عند قرائتي للرواية استحضرتني مشاهد عدة من روايات عربية إخرى ،زارتي صورة العاشقان الراقصان في رواية أبو هريرة للمسعدي ،ذاك التماس مع الحرية و الخيال و الفتنة في آن ،صورة البطل في رواية موسم الهجرة عندما هاجر لأنجلترا غازيا البلاد و نساءها بعضوه الذكري و ايره الفاتح .

إذن فان رواية "انتصاب أسود" لست رواية أيروتيكية  بالمعنى الأصلي للمصطلح فهي لم تكن تمثلا مباشراتيا للرغبة و الايروس و لم تكن أيضا أدبا واقعيا فهي مفعمة بمعاني الذهنية و الترميز و إنما جاءت سليلة ردة فعل لكاتب متمرد ثائر عن الأجناس الأدبية كلها ،نص روائي لا يعترف بالقوانين و ان كانت مقدسة ولا بالمفاهيم الأدبية و ان كانت ملزمة ،

بل انه نص يحمل بين ذراعيه المطرقة ولا شيء غيرها ،دعوة الى المغامرة ،الى ضرورة "الاستمناء " بماهو فعل طبيعي للتخلص من تأثيرات الكبح و التحريم ،فان كانت الروح الرجعية تدعونا الى قتل الرغبة فينا و اعتبارها فعل محرم فان صاحب الانتصاب الأسود يدعونا الى انتصاب دون ارتخاء ،الى الإحتفال بالجسد بماهو تمثل  لبصمات و الاعتداءات و الوصم و العار ،فتحرير الأجساد ليس تصور للجسد في حد ذاته انما هو تحرير النفس من عصور الانتكاس و الأساطير و بهذا فان رواية انتصاب أسود كانت بالفعل دعوة الى اللاسلطوية ،تجربة أناكرية لا مكان فيها لسلطة دينية أو اجتماعية أو حتى سياسية و انما تحكمها الرغبة الدفينة في التحرر من كل قيد و أغلال.

إيمان السوداني

رواية