Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

أن أكون إحدى نساء محمد خان ،عاديات لكنهن خارقات

mohamed-khanImen Soudani - إيمان السوداني



محمد خان، هو مخرج سينمائي مصري بريطاني، وُلد في 26 أكتوبر/تشرين الأول من العام 1942، لأب من أصل باكستاني وأم مصرية. و توفي في 26 جويلية/ يوليو 2016.

ويُعتبر من أهمّ مخرجي السينما الواقعية.

و لأن لكل مدرسة فنية دوافعها و محركاتها و السينما كأي حقل ثقافي/ فني أخر يتجدد و يولد و يموت باختلاف التيارات و الرؤى الفكرية المتعددة ،فالمدرسة الواقعية في السينما العربية و نخص بالسينما المصرية لم تأت بها الصدفة بل نشأت بفعل تأثيرات سياسية و ثقافية و اجتماعية كذلك .

و هنا يجب أن ننوه بضرورة التفريق بين المحاولات الأولى للواقعية قبل محمد خان و البداية الحقيقية للسينما الواقعية التي كانت  حصرا مع محمد خان و انضم اليه فيما بعد عاطف الطيب و داوود عبد السيد و غيرهم فنحن طبعا لا ننكر تلك المحاولات التي أثثها الأب الروحي للسينما الواقعية و هو المخرج الكبير صلاح ابو سيف خلال فترة الخمسينيات خاصة ،لكن مع محمد خان كانت الواقعية أكثر وضوحا و اكثر جسارة و جرأة في تصوير واقع الشخصية المصرية و تسليط الضوء على الذين يعيشون دائما على الهامش .

ساهمت العديد من الأحداث على بلورة رؤية سينمائية مغايرة عما شاهده المشاهد المصري من قبل ،فقد أثرت حرب67 كذلك حرب اكتوبر في 73 و من ثم معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ،أدت كل هذه الأحداث الى هدم التطلعات القومية الوطنية لدى المصريين و احساس دفين بالذل و الهوان ،فقد مثلت الفترة الممتدة منذ انقلاب الضباط الأحرار في 52 الى اواخر الثمانينات من اكثر الفترات توترا و تقلبا بين اتساع الأمال لبلوغ النصر و السقوط بين سندان الواقع و ضراوته .

لهذا كانت كاميرا محمد خان ترصد المواطن المصري البسيط في أدق تفاصيله ،في واقعه الحقيقي لا في خطاب السلطة الشعبوي ،في مشاكله الحقيقية و صراعاته الحقيقية لا الصراعات المزعومة .

مثلت المرأة عند خان موضوعاً أساسي في أفلامه فهو لم يتجاهل وضعية المرأة المصرية و معاناتها في ظل مجتمع  ذكوري خصب يحكمه التسلط من كل جانب ،فيعتبر المرأة مواطن درجة ثانية قانونا و شخصا قاصرا اجتماعياً
فهو يقول في احدى تصريحاته: “نحن نعيش في مجتمع رجالي بشكل عام، فمن يضع القوانين هم الرجال، وهم من يطبقونها، وهم من يتحكّمون في زمام الأمور، حتى إن كانت هناك برلمانيات أو قاضيات أو ما شابه، فالمرأة في الشرق والغرب تعاني من الطبقية مقارنة بالرجال”.
و هذه هي قيمة العمل الفني الحقيقي و شكل الوعي الحقيقي الذي يجب أن يكتسبه المثقف ،الوعي التام بالمعاناة و لكن تصويرها بشكل بريء! أي ان تهب للشخصيات الحرية التامة في أن تعبر عن نفسها بنفسها للحد الذي ينسى فيه المشاهد انه امام محرك سينمائي وراء الكاميرا و هذا تماما ما يحصل في افلام الخان .

لم تكن تثيرني السينما قبل أفلام محمد خان ،دائما ماكنت أنظر للأفلام بنوع من الاحتقار ،نظرة أحادية بأن الحرية و التطلع و الثقافة و التغيير يأتي من الكتب وحدها ،هكذا كنت أرى العالم قبل خان ،بيد أن الحقيقة هي أن العالم أرحب من دفتي كتاب ،و أن الصورة قد تبني حلما و قد تكون أكثر نجاعة من ألف كتاب .

علاقتي بأفلام محمد خان لم يكن مجرد اعجاب بكادرات ملهمة بل إن الرابط الأكبر هو خلق أنموذج جديد للمرأة ،نساء عاديات لكنهن خارقات !

مفارقة عجيبة أليس كذلك ؟

نساء محمد خان مختلفات عن كل نساء العالم السينمائي ببساطة لأنهن حقيقيات !
جلبهن من قلب الواقع ،و ليس اي واقع ،بل واقع الطبقات التي لا نلحظ وجودها أبدا بالرغم من أنها متصلة دائما بواقعنا بشكل او بأخر.

بالرغم أن خان لا يقدم أبدا شخصيات خارقة أو خيالية، وإنما نساء وفتيات عاديات تماما من النوعية التي يمكن أن نقابلها في الشارع، أو في الجامعة،أو المحطة، أو النادي!

لكننا ندرك منذ اللحظة الأولى أن الأمر ليس بهذه البساطة..!

فإنه حتى عندما يقدم تنوعا غير مسبوق في شخصيات أفلامه مثقفة كانت أو بسيطة ساذجة، غنية أو فقيرة، زوجة أو عزباء، عاشقة أو زاهدة في الحب ! إلا أن صفة أصيلة تجمع بينهن جميعا وهي التميز !
نساء محمد خان دائما جميلات بطريقة ما ،ذكيات بطرقهن و الأهم من هذا كله ،هن محاربات على الدوام .

قد شاهدت بالفعل كل أفلام الخان ،و كررت عديد المرات البعض منها ،لكنني أقف دوماً منبهرة بقدرة هذا المخرج "الأستاذ" على صناعة حياة حقيقية لشخصيات متخيلة .

-موعد على العشاء 1981: كان اولى خطوات خان تجاه المرأة
يحكي قصة نوال ( سعاد حسني) المرأة المقهورة التي تعاني من اهمال زوجها عزت ( حسين فهمي) لتقرر الانفصال و الطلاق و تلتقي فيمابعد لأول مرة بحبها الحقيقي شكري ( أحمد زكي ) لكن تسلط طليقها أحال دون السماح لها بحياة سوية فتسبب في قتل الشاب شكري لتنتقم نوال و تدس السم في الأكل لتقرر انهاء حياة زوجها و حياتها ايضاً.

-أحلام هند و كاميليا 1988:

هند ( عايدة رياض ) المرأة الريفية ،الأرملة الشابة التي تبحث عن سبيل للعيش لتلتقي في خضم كل ذلك بالشاب عيد ( أحمد زكي ) الذي يظهر بمظهر التهور و الهروب من المسؤولية.
كاميليا ( نجلاء فتحي) المطلقة التي تكافح من اجل لقمة العيش .
مرأتان جمعتهما الصداقة و العمل و قوة الارادة في أن يتحقق الحلم بالرغم من مشهد النهاية الحزين الذي يجمع كامليا و هند و أحلام ابنة هند ،وحيدات على شاطئ اسكندرية و قد خسرن كل شيء إلا حلمهن في أن يعشن حياة أفضل .

فتاة المصنع 2013 :
و هو اقرب أفلام خان لقلبي ،تدور الاحداث حول هيام ( ياسمين الرئيس) فتاة في مقتبل العمر تعمل في مصنع للملابس لتنجذب لشاب يعمل في نفس المصنع و هو مهندس لكن يقابل حبها بالاستهزاء ثم  الرفض من قبل الشاب ،لتعيش البطلة الاحساس بالخسارة و ضياع الحب من يدها عندما يقرر الحبيب الزواج بغيرها لتصر على الرقص يوم زفافه و كأنها تحول كل ذلك الألم و الحزن إلى رقص .

إن ما يميز نساء محمد خان دوما هو الإصرار على تحقيق الحرية المسلوبة بالرغم من ذلك الوضع الاجتماعي النابض بالذكورية و التسلط ،و بالرغم من ذلك الوضع الاقتصادي المزري الذي يجعل من الحياة أكثر صعوبة و اكثر ضراوة ،لكننا نرى نساء خان متمسكات بحق الحياة ،فالذي يجمع بينهن باختلاف حكايتهن هو أنهن يمتلكن ملامح ،حياة ،أحلام ،

قد تبدو للوهلة الأولى بسيطة و عادية و لكنها تخفي - ككل المسلمات- حروب لا تحصى و انكسارات لا تعد للظفر و لو بجزء منها .

يبدو من السهل أن نتحدث عن تحقيق الذات ،الحرية ،العيش الكريم ،الاطمئنان ،الاستقرار ،التفهم ،لكن على أرض الواقع و خاصة في واقع الطبقات المسلوبة ،قد يفنى العمر في محاولة تحقيق و لو النزر اليسير من ذلك كله .

أن أكون احدى نساء محمد خان لا يعني شيئا سوى أنني أعيش التحديات نفسها ،أمتلك الصفات نفسها ،الحواجز نفسها ،لكنني في المقابل ايضاً أقاوم من أجل أحلامي العادية و البسيطة ،قد يبدو أننا فتيات عاديات ،نعم نحن كذلك لكننا خارقات لأننا لا نتوب أبدا عن أحلامنا مهما تكررت انكساراتنا.

إيمان السوداني
أن أكون إحدى نساء محمد خان ،عاديات لكنهن خارقات