Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149
كلنا يتامى
Nabil Dabbous - نَبِيلْ دَبُّوسْ
من منا لا ينتظر ميتة طبيعية تريح قلبه المثقل و روحه المرهقة .. لماذا حرم الله الإنتحار ؟ لو كان حلالا لكان سكان الأرض بضعة ملايين لا أكثر .. لقلت المعاناة التي تجرف الإنسان إلى جدران ضيقة تحيط به من كل جانب .. جدران تكون ملخصة في خيبات و أحزان و جروح و خواطر مكسورة .. يلا نحن كلنا يتامى .. فمنا هم اليتامى الأصليين .. يتيم الأب أو الأم أو الإثنين .. لكن كلنا أصبحنا نعرف معرفة يقينية أن اليتامى لا يحصوا و لا يعدوا .. فهناك يتيم التفكير شارد لا يأبه و لا يكترث .. و نرى يتيم القلب من هو حي ميت في أرض كثر فيه المسوخ و المتهمين كونهم نالوا ما أمكنهم من التخلص من القلب و العيش على وجه موت متنقل ..
قلوب مثقلة و خواطر مكسوره .. من منا مازال لديه خط نياط واحد في قلبه ؟ من منا لديه خط نياط نستنسخ منه ما لا نهاية و نعطيها بالمجان ليصلح 90% من سكان الأرض قلوبهم المحطمة و نمكنهم من إعادة ترميم تلك الجروح البليغة ! هل يوجد مرهم يمكننا من إخفاء تشوهات قلوبنا و أثر الخيبات و الأزمات النفسية ؟ ذلك الأثر الذي يعتبر سرطان القلب .. الذي ينتعش و ينتهش القلب بمجرد سماع مزحة سيئة أو كلمة ليست في محلها .. بربكم من منا ليس مرهق و يرى نفسه عاجزا أما تقلبات ميزاجه و ذكرياته الأليمة .. أمام تفاصيل الليالي السوداء و النوم المضطرب .. يقولوا و الكل يتفق أن أكثر الأوجاع هي الولادة عند المرأة .. ضحكت مرات لأني أعلم أن أغلبكم يعلم أن ألم القلب و ذلك الهواء الساخن الذي يلي التنهدات التي بدوره تلي الحزن و أساسا الحزن يكون نتيجة إستئناف الكتلة السرطانية التي كسبها كلنا عبر خيبات تركت أثر يستحال علي و عليكم نسيانه .. نعم نحن يتامى .. يتامى .. يتيم السعادة .. يتيم الضحكة و الإبتسامة الحقيقية و ليست المزيفة منها .. نحن يتامى في أرض قاحلة جرداء .. تجردنا من قلوبنا يوما و سلبنا شيء كان من حقنا .. كنا و لم نعد .. نحن لا نعيب ليالينا المظلمة تلك السوداء .. و لا نعيب من كان سببا فيها .. "نعيب زماننا و العيب فينا و ما لزماننا عيب سوانا"
كوابيس شتى بوهم الأحلام الوردية .. ليس إختيار يا صديقتي أننا إخترنا الحزن و تشبثنا بذكرياتنا الأليمة .. بل نمط حياة فرضته علينا خطوط النياط المكسورة .. هل بإمكان أحد أن يقترض من طفل صغير خط نياط واحد شريطة أن يتم رعاية هذا الخط حتى يجد منبع ليتمكن من إمداد جذوره و التكاثر لعل و عسى نستطيع إنقاذ شتى قلوب أصابتها لعنة الترك و الهجر ..
إنكم و لا أظن بل يقينا أنكم تعيشون ذبول تام فكل أيامكم أصبحت خريف .. لم تعد ترى جميلا و لا قبيحا .. عواصف بالعواطف و خوف من ظلمات الليل القاسية ترمينا بين أحضان السهر ، تعاسة القلب و تعاسة القدر .. كل شيء متساوي .. لا تكترثون هل أحياء أنتم أم أنكم ستحيون رغم كل الضباب و البؤس المحلق حولكم .. مأساة يصحبها البؤس ثالثهما تشاؤم و الطابور طويل .. بالله عليكم قليل من الرأفة على بعضكم البعض .. تسامحوا .. تعانقوا و قبلوا بعضكم فكم من ميت تشتاقون له و كم من حيّ غدا تأتيه المنية و تندمون .. كل منا يتيم .. فكم من يتيم وجد شبيهه اليتيم .. لعل الله أرادنا أن نكون يتامى .. فاليتيم هو كل الإنسان فكلنا بعيوب فالكمال لله وحده .. نحنُ لا نكون يتامى حين تكسر خواطرنا و نفارق أرواحنا و حسب ، نموت قبل ذلك عندما تتشابه أيامنا و نتوقف عن التغير ، حين لا شيء يزداد سوى أعمارنا و همومنا .. و لربما آن لك أن تفهم بأنك لست جثة هامدة دون حراك فالأشياء التي تخفيها في قلبك, تقتلك و أنت حي .. تأكد أنك لست مجرد طيف مُقيّد بسلاسل الوهم و يعيش منتظرا ملك الموت .. "يتيم"
هل نقولها لأنفسنا التي أبت العيش الكريم و اختارت التحلي بالمثالية الوهمية .. أم نلقيها عمن إختارت مصير شخص حرمته حنان الأب و عطف الأم .. مرضى على سرير الخوف .. نخاف فننتهي في المرحلة الأولى .. ثم تهرول السنين لتنضب .. نبكيها ولا تعود !
ثم ننتهي في المرحلة الثانية جسدياً .. بعض قصصنا تظلّ معلّقة دينٌ في عنق الأيام ..
لا يسددها إلا وقتٌ مسروقٌ منا بالتقسيط القاتل .. و لا يدفعُ ثمنها إلا السجائر .. و يا له من جهد أن تبقى على قيد الحياة .. أطلعكم بأنّ أشد أنواع الابتلاء هي تلك السيمفونية بأن نكون كلنا ذلك الشخص المزاجيّ ، يفكر كثيرا .. يتعلّق سريعا .. يهتمّ بالتفاصيل .. قليل النسيان .. فريثما تخذلنا جميع الأشياء التي حولنا .. لا نحاول أن نثق بها مجددًا .. فقط نحاول أن نثق بأننا نستطيع العيش بدونها .. تأكدوا بأنه لا يمكن لأي شيء إحباطنا و إحباط معنوياتنا سوى تصوراتنا الداخلية التشاؤمية حول الأمور ، التفاؤل مطلوب حتى و إن سئِمت روحك منه .. سلام على الطيبين .. و ألف السلام على الضاحكين و في قلوبهم سنين بكاء ..
أولئك الذين قرروا العيش و لم تحالفهم الحياة بعد .. سلاما مني أنا اليتيم بنشوة الألم مع ضحكات أتت من العدم ..
نبيل دبوس
Website Design Brisbane
Tags: