Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

إلى إبنتي التي لن تأتي

mere-sans-enfant-chagrinOumayma Oueslati - أميمة الوسلاتي

إلى إبنتي التي لن تأتي:

الحياة يا ابنتي مثل امك عاقر، لا تنجب السعادة الابدية و ان كنت تظني انك سعيدة لوهلة تقوم بإرسال المشاكل لك لتنغص عليك فرحتك

امك ليست سعيدة و ليست حزينة أيضا لكن هناك شيء ناقص يشعرني بالفراغ..

امك وحيدة كانها لم تخلق ابدا..

انا مثلك يا انتي، اوليست البنت شبيهة أمها؟

أنا مثلك يا ابنتي لم اعش ، صحيح انني ولدت و لكنني في الحقيقة ميتة.. لا أحد يراني هنا..  أنا نكرة..

امك مريضة يا ابنتي ، لها  افكار غريبة ، وحش بداخلها.

لي عقل مجنون متمرد، احاول ترويضه لكنني لا أفلح.

لا تصدقي براءة و هدوء ملامحها ففي خلفها بحر هائج، براكين منفجرة..

اعترف لك يا ابنتي ، كإعتراف المذنب للكاهن، انني لست جيدة.

امك تخشى البشر ، اعجز عن التعامل معهم و الحديث معهم كأنني من كوكب آخر.

أحيانا أقول ليتني لم أولد. أحسدك يا ابنتي لأنك لن تأتي الي هذا العالم و لن تسمعي كلامي التافه هذا!
هنا لا شيء جميل ماعدا البحر، الورود و الأزهار ، غروب الشمس و القمر..

فقط الطبيعة تؤنس وحدتك..

لا تضمني بقاء احد معك الى ‘الأبد ‘ لا وجود للأبد هنا!  الأبد زائل.. الأبد مزيف و مخادع..

ولانك وحيدة ستنجبين مئات الأفكار لتؤنسك..  منها افكار مضحكة و منها مبكية..  منها الطيبة و منها الخبيثة..

الأفكار مثل البشر.. الأفكار بامكانها ان تؤذيك .. أن تقتلك..

عليك السيطرة عليها او تبقيها بعيدة..

تخرجها من حياتك اقصد من رأسك..

امك ليست راضية عن حياتها..

حياة تقليدية مليئة بالملل.. تدرس تشتغل تنتظر الموت..

ما الحل؟ لا ادري...

امك فاشلة يا ابنتي، و فشلي يقتلني ، يربكني..  يفقدني بريقي..

ابنتي كنت أتمنى لو تأتي الي هذه الحياة لاحضنك، حضنك سيعيد لي حياتي..  ستكونين سببا لبقائي على قيد الحياة..

أنت يا ابنتي مثل كل احلام طفولتي لن تتحقق.. عندما كنت صغيرة كنت اضع مخدة تحت فستاني و ادعي انني حامل. كبرت و علمت انني لن اكون حامل.. أصبت بالخيبة..  

جهضت كل آمالي و أحلامي..

ابنتي انت مثل كل الاشخاص الذين كتبت لهم احرف صادقة. إما رحلوا أو لم يأتوا أبدا.

لن تقرئي ما كتبت..

كنت احلم ان انجب بنت ، ترث عن امها شعرها، عشقها لل‘نوّار‘..

و هذه قصة أخرى..

كنت وحيدة.. اسهر طوال الليل أهذي و اكتب.   و في ليلة من ليالي القمرية ، وجدت نفسي اثرثر مع القمر. هو أيضا وحيد.. حزين و لا احد يعلم..

كنت خليلته ، كان يقتلني بعده ..اشتاق الى ثرثراته.. ولكن مع مرور الأشهر ، صار  غريبا باهتا ،هادئا لم اعد اعقله.. اظنه ملّ من احاديثي..

عدت وحيدة من جديد، وجدت نفسي في الظلام.. في السواد.. ‘نوار‘ (انطقها بالفرنسية)

و اردت جعل ذلك ‘نوار‘ الى ‘نوّار‘ ..

في أخر ليلة لي في المبيت الجامعي ظللت في الحديقة طويلا أبكي.. اودع كل ‘نوارة‘.. كان حدسي يقول لي انها أخر ليلة لي في ذلك المكان البائس لولا وجود ‘النوّار‘ ، رغم أنه لم يكن مؤكد لي ان تتم الموافقة على
النقلة..

هناك العديد من الازهار الجميلة تنسيني وحدتي ،اشتكي لها..

آترين يا انتي امك مجنونة تتحدث مع القمر و الزهور..

‘نوّار‘ و ليس الورود...

اعشق النوّار لانه ليس مزيف.. ينبت بصفة تلقائية..

وسط قبح العالم ينبت ليزيده جمالا.

اعشق ‘النوّار‘ لانه طبيعي.. لا يتطلب منك عنايته.. يعتمد على نفسه..

امك غريبة الأطوار اعترف لك بذلك ايضا!

هذا العالم بائس يا ابنتي ،مليء بالقبح.. يحتاج الي المزيد من الزهور..

على البشر أن يتوقفوا عن الإنجاب و يبدأوا بزراعة الورود..

هذا العالم با ابنتي بشع للغاية ، بشاعته تشوهني..

أمك صارت شيطانا ، فقدت براءتي تدريجيا كلما كبرت في العمر إلى ان صرت مثلهم..

انغمست في الأثام.. تلطخت بعهرهم و بقبحهم.

صحيح ان امك تملك وجها طفوليا ، لي ضحكة بريئة و لكني لم اعد بريئة و هذا ما يقتلني و يعذبني..  ليتني اعود طفلة ، اعود إلى براءتي .. اشتاق الي روحي النقية و عقلي الخالي من المشاكل و الهموم التي في الأخر لا
معنى لها..

حمدا لله انك لن تأتي كنت سأخشى عليك..  لا اريدك ان تفقدي برائتك انت ايضا..

و مع ذلك من المستحيل ان تبقي كما انت عليه و انت صغيرة لأنهم سيشوهونك..

هذا العالم مليء بالقبح و النفاق..

لكل منهم وجهان..  

لم اعد اتحمل قبحهم و بشاعتهم...

حمدا لله يا ابنتي انك لن تأتي..  بقدر رغبتي في ان أراك و احضنك بقدر خوف عليك..

اريدك ان تعلمي انني احبك كثيرا..  

‘شايف البحر شو كبير كبر البحر بحبك انت ‘

أحبك و لكنني لن اهبك هذه الحياة..

أميمة الوسلاتي

إلى إبنتي التي لن تأتي