هو الرفيق الصريح .. الضاحك .. هو الحب الطارئ دون إدعاء .. هو كلحن البحر الهادئ الذي يأتي فجأة ليملأ الكون و الفراغ .. هو  الرأفة الناعمة من العين الدافئة و الصوت الرخو ، الحلو الجاذب المنجذب ..

سرعان ما أغيب في سحر عينيه العسليتين فإذا بي متعلقة به تعلقا غريبا لا أكاد أفهم مأتاه . و إذ أغوص في متاهات هذا الوجه تتجرد الحياة من مشاكلها ، فأرنو إليه صامتة ، و كأنما يحسٌ بي دون أن يراني فيبتسم برفق باد .. و كأنما هفا القلب فنستلقي بين الأعشاب .. معا جنبا إلى جنب إزاء هذه المصابيح باهتة اللون ، ننظر إلى السماء و النجوم ..

و كالخائفة ألتصق به و أبوح له بحبي .. ألتمس شعره البربري و أتلاعب به ثم أمسك بيده في حنان طفولي .. شعرت بالحرارة المنسابة ، إنتفضت كأني أفيق من حلم ضبابي الأطراف و المشاهد .. تعمقت بهيام شديد في عينيه العسليتين ، و البشرة القمحية التي يغوص القلب منجذبا إلى نداء دافئ صادر في الأعماق ، و وجهه الصافي هادئ التقاسيم عذب الملامح ، و الأنف الدقيق الإنحدار ...

كلما رمقني بإمعان يعتريني إغفاء جميل .. أصاب بإعياء غريب فيه نشوة و خوف و غيبوبة و أحسست أني أفقد المحدودية الفردية .. و إذا القلب يهفو إلى عوالم غير واضحة المعالم و الصور .. لست أدري كيف حدث ذلك .. المهم هو أنه أصبح ينتشلني من همومي اليومية أعايش معه دوامة العصر .. نازعنا الهوى و أحتوانا و أصبح هوسا يلم بنا .. يخاطبني بكلام دافئ و هو يلف يديه حولي متبعا نفحات الموسيقى السارية في الدماء .. أضع رأسي على صدره أستمع إلى الدفقات المتتالية للدماء و رحت في إغفاة .. كنت أبكي في أناة .. لعله الحنين ، و الموسيقى تستهوي .. أفقت ... كان يداعب شعري .. نرقب الظلام و القمر الطالع .. بدت لي الدنيا في ثوب جديد فإذا الأيام الزاهية و الأقدار تتراقص أمامي تتبتعد تقترب تتجاذب متبعة موسيقى هادئة تنساب كالرذاذ .. و أطير في السماء عبر عبير الورود أثناء أنغام الموسيقى هستيرية .. أغيب لأصحو .. أمسكت يديه و ضغطت عليها كأنني أريدها أبديا .. فيحتضنني ..

و فجأة تلألأت الأضواء أمامي .. و القلب ينفطر يرتعش ...