Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149
تقبلني الأمواج
Oumayma Oueslati - أميمة الوسلاتي
لم يبقى لي سوى البحر لأبث إليه سري .. و وجدي .. فقد جعل لحمل الأسرار .. هو الأمين .. هو النبع الفضي ، الوجه الرحب .. الصامت يناغي الأزل و لا يقول و لا يبوح ، يختزن داخليا .. هو الذي يغمر الكون ديباجة زرقاء ..
كان البحر ساكتا .. لعله يخطط المسار القادم .. أسبح وحيدة ، تاركة للجسد حرية التمتع بمدابعة البحر .. القلب مسلوب الإرادة ، يتيه بين الأمواج .. أتمعن السماء ذلك اللون الأزلي ، محار لا يختفي ، أرمق البحر الأزرق و السماء . أقرأ البحر و السماء .. أقرأ كالمنجم كفّ القمر وأذهل عما في الوجود ..
يأخذني التيار إلى البعيد و أبقى في لحضات خارج الذات .. و كالفراغ تبدو الأشياء .. و الخيال الجامح يراودني و يغمرني الحزن باسما .. يعصرني الألم المقين .. أرى الأبعاد .. أجوب الآفاق و البحر في كفي أراه يأخذني .. عرفني صامتة ما أبوح و لا أتوجع .. أحمل الهم .. أسكنه للبحر دوما و ما أختفي عليه .. يأتيني وحيدا .. يحمل ــ هو أيضا ــ الهموم .. ناعمة هي الأمواج .. ها أنا ألج البحر أسبح كالهائم .. إلى أين ؟ لا أحد يعلم .. أعشق الوحدة ، الصمت ، البحر و النجوم .. فالبحر ملاذي الدائم ، و السماء صديقتي و النجوم أحلامي ..
و فجأة ومض الرعد و إذ الغيوم تظيف لسواد الليل ليلا .. و بدأ المطر لذيذ في الإنهمار .. لم يكن البحر صاخبا ، لكن قطرات المطر تنبعث صوتا فريدا و هي ترتطم بالبحر .. و إذ أشعر بإحساس غريب و رغبة طاغية في البكاء .. لم أمنع نفسي من هذه الأحزان التي تتدفق داخلي و أنا أبوح للبحر بجريمتي النكراء التي إقترفتها تجاه من أحب .. راجية أن يموت الحزن و يدفن و تتطهر روحي ... و صوت بداخلي يأمرني بالغوص عميقا ..
خلت نفسي أتنفس تحت الماء .. و على غرة شعرت أن الدنيا لم تعد هي و أن ما هو أمامي أصبح ورائي .. لعلها أروع ليلة أصبح فيها العالم واضح القسمات متماسك الأجزاء .. تتمادى البحار أمامي و تأتيني الصور تقترب من عيني و تخر الأقمار .. تقبلني الأمواج وتتلاعب يدي بالأقدار .. و الجو مباح فيه العشق و الموت سيان .. و أنسى جريمتي و الأحزان و مشاكل العوالم السفلي .. و يبدو البحر صغير عند قدمي .. و بين أصابعي يسجد العالم و يأخذني الأمل الكبير .. فإذا المياه تريحني من تعب قاتل .. و يأخذني فجأة برد شديد .. أحس بالدوار و رعدة شديدة ، أتنفس الهواء بصعوبة ..
أفتح العين .. الزرقة الممتدة أمامي ، و كون بديع يترائ أمامي .. بصعوبة أفتح العين مرة أخرى ، أرمق البحر الممتدة .. و كأنما أغيب من جديد في دوامة لا تقف عن الدوران ، و تتعاظم الأشياء أمامي .. منكسرة القلب ، مكلومة الفؤاد ، موفورة الصحة .. أظلمت الدنيا و أتخذت شكلا جديدا .. لعله الموت أم أنا التي أغمضت العيون ؟.. برودة سرت في كامل جسمي .. و هذا الغرق أم هو الإختناق ؟ و علمت أني أتحضر ...
بقلم أميمة الوسلاتي
Website Design Brisbane
Tags: