Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149
ركين #12
إستيقظت فوجدت نفسها في غرفة ذات جدران بيضاء...لابدّ أنّها غرفة في أحد المشافي...أجل إنّها كذلك...كلّ ما تذكره هوّ أنّها كانت تزور قبر أمّها حين باغتتها مفاجأة غير سارّة بالمرّة... ظهور ذلك الرجل أمامها، على حين غرّة ، كان كسقوط صاعقة على شجرة...
آخر ما ترجوه من هذه الحياة أن تجمعها به و لو كان ذلك عن طريق الصدفة..."رجب" ذاك الكريه الذي زوّجوها إياه قسرا في ربيعها السادس عشر فأحال سنوات عمرها اللاحقة خريفا... مذ أجبرها خالها على الزواج منه حتى يعاقبها و يتخلّص منها في ذات الآن و هيّ تعاني الأمرين...كان حضوره في حياته حضورا حارقا إلى الدرجة التي جعلت أوراق أحلامها و آمالها تتساقط الواحدة تلو الأخرى... أغمضت عينيها بقوّة مانعة دمعها من النزول...
تثبّثت بأطراف الوسادة و إلتفّت حول نفسها كما يلتفّ الجنين في رحم أمّه...عادت إلى اللحظة التي قاطع فيها ذاك القذر خلوتها و قطع صمتها في حضرة أمّها، أو ما تبقىّ منها... كان يقترب منها كما يقترب الذئب من فريستها التي كان يتربّص بها و يقتنص الوقت المناسب كي ينقضّ عليها... و كلّما تقدّمت خطواته نحوها تراجعت هيّ إلى الوراء إلى أن إصطدمت بسور المقبرة و لم يبق أمامها سبيل تسلكه كي تهرب منه، ماعاد أمامها من سبيل سوى المواجهة....مواجهة أكبر كابوس عاشته و مازالت تعيشه... تذكّرت أنّها وقفت أمامه بكلّ صمود مانعة صرختها من القفز خارج حنجرتها...حاولت أن تمثل أمامه بثبات ولكن...ما إن إزداد قربه منها حتى رفعت يديها واضعة إيّاهما أمام وجهها في حركة دفاعية تروم منها حماية وجهها من الضرب...
أجل فالضرب هوّ الأسلوب الوحيد الذي يجيده "رجب " في التعامل معها... و من حسن الحظ أنّها فعلت ذلك...فما كان تربّصه بها سوى بغرض الإعتداء عليها بالعنف... ركلها و ماأفلت جزءا سليما في جسدها دون أن يترك عليه أثر غضب كتمه لما يقارب العشر سنوات...كان يردّد على مسامعا أنّه، منذ هجرته و وجد نفسه مجبرا على الطلاق، كان ينتظر هذه اللحظة ... وها هوّ الآن يشفي غليله منها... أبرحها ضربا و لم يتركها إلاّ حين أغمي عليها و تفطّن حارس المقبرة إلى ما يحدث...فتحت عينيها و هيّ تدفع ذكرى هذه الحادثة الأليمة بعيدا عنها...شعرت بوجود أحدهم في الغرفة... إنّها "سعاد"... ما إن تفطّنت هذه الأخيرة إلى أنّ "ركين" مستيقظة حتى تركت طرف النافذة الذي كانت تقف عنده و إقتربت منها... جلست على طرف السرير و مرّرت أناملها، بلطف و بطء، على جبينها...فتحت "ركين" عينيها و سمحت لدمعها بالنزول...فهيّ لا تخجل من ضعفها أمام المرأة التي أنقذتها و منحتها فرصة جديدة للحياة....هيّ لا تخجل من البكاء في حضرة المرأة التي كسرت قيودها و خلّصتها من بوتقة الضلال...بكت إلى أن جفّ دمعها و إنتفخ جفناها....و لم تقاطعها "سعاد" البتة لأنّها تدرك حاجتها الملحّة إلى البكاء...فالبكاء ليس دليلا على الضعف بقدر ماهوّ سبيل للتحرّر من رهن الأحزان و الهموم...ربّما كان الدمع الذي ذرفته "ركين " أكبر مساعد لها كي يغتسل قلبها من الكدر الذي سبّبته المواجهة العنيفة التي دارت بينها و بين طليقها... إنحنت "سعاد" و قبّلت جبينها بحنوّ ثم خاطبتها بصوت منخفض أقرب إلى الهمس منه إلى الكلام " عزيزتي، عليك أن تستعيد عافية روحك قبل عافية جسدك... و أوّل ما عليك فعله هوّ عودتك عن وضع الجنين الذي إرتدّيت إليه...هيّا حبيبتي إسترخي...أغمضي عينيك و إنسي كلّ شيء و تذكّري فقط ما وصلت إليه من نجاحات...تذكّري تفوّقك في كليّة الفنون الجميلة...تذكّري تميّزك في فنّ الخزف و أعمالك التي تحيين من خلالها ذكرى أمّك...
تذكّري أنّك "ركين" التي لطالما تفوّقت على نفسها و هزمت جبروت الظروف و ظلم القدر"...شدّت على يد "سعاد"...طبيبتها...مخلّصتها...أمّ عوّضها بها الله على ما مسّها من ضرر لا حول لها و لا قوّة فيه ...مرشدتهاالتي لطالما كانت كلماتها بمثابة بلسم بالنسبة لها... أمّها على حقّ... زمن الإنكسار قد ولّى... عليها أن تستعيد رباطة جأشها.. تمكّنت بصعوبة من العودة إلى وضعيّة النوم الطبيعية...لقد كانت "ركين" تعاني من نوع من العصاب الذهني أولّ و أهمّ أعراضه إنطواء المريض على جسده في وضع يشبه وضع الجنين في رحم الأمّ... حين تعرّفت "سعاد" عليها كان ذلك في مركز الدفاع الإجتماعي بطلب من الأخصائيّة الإجتماعية التي ساعدت "ركين" على الخروج من منزل "رجب" و من قرية "كفّ الصبيّ" و مكّنتها من الحصول على الطلاق لأنّها تزوّجت و هيّ قاصر و رغما عنها... إستدعيت الدكتورة "سعاد" من قبل إدارة المركز لمعالجة "ركين" من عصابها الذهني و منذ لقائهما الأوّل قرّرتا أن لا تنفصلا أبدا...فكانت "سعاد" الأمّ التي فقدتها "ركين" لأنّها وجدت فيها الإبنة التي حرمت من إنجابها لأنّها كانت تعاني تشوّها خلقيا على مستوى الرحم...قبّلت يدها و قالت " لا تخافي أمّي...فأنا على ما يرام... فلن يحدث معي ما هوّ أسوأ...سأكون بخير... لا عليك و لكنّي سأقاضيه...سأرفع دعوى قضائيّة ضدّ ذلك المتوحشّ و سأواصل طريقي لإنشاء مدرسة ثانويّة للفتيات.... و سأوافق على عرض فندق ميلانو الذي تلقيّته في معرض مكسيكو و سأكون أنا المنتصرة...أنا... ركين الخزافة "....
Website Design Brisbane