Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

محادثة بطعم الفودكا

slam-amoureux-elleEzzedine Choiya - عزالدين شوية

أرادت اختراقهُ بأسئلتها غير مباليةٍ بالبروتوكولات السخيفة:

- كم عمركَ؟

-سبع و عشرون حربًا و بعضُ الأحلامِ المغتصبة، أجابها متألّما كمن غدره بخنجرٍ في خاصرته.

-مازلتَ صغيرًا يا وجعي.

ربما أرادت طمأنته بهذه الإجابة لكنها أضافت القطرة الأخيرة التي أفاضت الكأس.

- مازلتُ و لكن..هه لا عليكِ.

-لكن ماذا..؟

- لكن مررتُ بصحارٍ و معاركَ جعلتني لا أشعرُ بصغري.

-أنتَ كاتب و تجربة الكتابة لا تولد من فراغ وما دُمتَ تكتبُ فأنا أعلم الكثير مما تُخفي. فدعني أقرؤك بضع سنين  أنبِشُ فيها الماضي و لأُسافر في دمك إن شئتَ أكتشفُ ما أنا غافلة عنه، دعني أَسمعُك ترانيم صباح أبدأ بها الحياة من جديد علّني أُشفى من الكتابة..

- دعيني أصارحكِ بشيء، من جرّب الكتابة بصدقٍ لن يشفى، فهي مرضٌ يحتلّ كيان الشخص  فيجعله يتلذّذ الألم عندما يخطّ كل حرفٍ و كل كلمةٍ ينتزعُها من أعماقه ليُخلّدها في نصٍّ ما. عن نفسي أصبحتُ أخاف أنْ أُسجن في كتاباتي التي جعلْتُها معبرًا لحُريّتي و راحتي ولكن هذا الخوف يعتريني دائمًا..

- سأصارحكَ أيضا، بأنني مستمتعةٌ بحديثي معكَ و أفضّل الصمت أمامك فهناك أحاديثٌ لا تُقال و لا تُسمع و أنا لا أريد قتل المعنى إنما أُقدّسه حتى لا يكون مُستهلكا..

- آنستي أنا شخصٌ يحبّذ العمق كثيرا و يكره المستهلك و التافه، أعشق التفاصيل و ما بين السطور و التمرّد أحيانا..

-أما عنّي فأنا عاشقةٌ للممنوع المستحيل لكنني لست متمرّدة لا في الكتابة و لا في الحقيقة. فبيني و بين التمرّد قيود كلّ ليلة أكسرها و كل صباح تنبُت من جديد..

- كتاباتي متمرّدة و هي عالمي الخاص الذي أحبّه و أخشاه في نفس الوقت..

-أنتَ تحب الخروج عن بوتقة الوجود فتبحث عن النشوة في..

- في ماذا..؟

- هه في البوح خطر على المعنى..

-لن يكون هناك خطرٌ إذا كنّا بمستوى الوعي و العمق.

-الخطر ليس مني و لا منكَ و من تفكيرنا بل الخطر في إفساد المعنى بالكلمات، فدعنَا نتفق أن تفهم صمتي..

-حسنا آنستي..

-هل لي بسؤال؟

-أكيد، تفضّلي..

-من الواضح أنّ وعْيك يُتعبك، لكن ألَا تكون الخمرة متعبة أكثر؟

-أتمنى أن لا يكون حُكمك نتيجة لتلك الليلة فأنا واعٍ بكل التفاصيل وقتها..

-أعلم و إلا لما سألت..

- وعيي يتعبني ربّما و خمرتي أيضا تتعبني..

-إذا..

-ما الذي جعلكِ تسألين هكذا سؤال.؟

-لأنك عكس ما توقعت شعرت بعد هذه المحادثة أن الخمرة محظوظةٌ بك..

- ومن أية ناحية هي محظوظة؟

- لأنّها تسكنُك، تعبُر جسدك بلا تأشيرة. هل أنت الآن مخمور؟

-هل تصدقين إن قلت لا؟

-أصدّقُك مهما تقول فلا يوجد سبب يجعلك تكذب و يجعلني لا أصدق.

-انا لست سكّيرًا ولكن أشرب عندما أحسّ أنه يجب أن أشرب وصحوتي و ثمالتي لا يختلفان إلا في الرائحة..

- حسنا، مع أن السُّكْر لا ينفي الأدب و الفن، و لك محمود المسعدي كان لا يكتب إلّا إذا بلغ به السُّكْر منتهاه و لم يستوي القلم بين أنامله فكانت ابنته من يكتب عربدته التي أصبحت اليوم تُدرّس..

-أعلم ذلك، لكن أكره السُّكْر حتى الثمالة و التقزّز..

- إذا لما تراها تهمة تريد الخلاص منها، إن كنت تكرهها فلما تجالس الخمر أصلا؟

-لا أحبّذ أن يُنسب إليّ السّكر، كثيرا من الأحيان أشرب ولا يحسّ أحد بثمالتي..

-إذا كيف أحسست أنا..؟

-لأن رائحة "الفودكا" قويّة، أردتُ التخلّص منها لكنّها أبت.

-وكيف أردت التخلّص منها، عن طريق بعض القُبلات مثلا؟

- و هل تمحو القُبلات أثرها.!

-لا أعلم فأنا أسأل..

-لا يوجد سؤال من فراغ..

- الإجابة في الصمت بعد "فراغ"..

-إذَا كانت القُبلات أعمق و أشهى و أقوى من "الفودكا" أكيد ستُمحى..

-هذا يعني أنّها لم تكن كذلك ليلتها..

-من قال أنني قبّلت؟

-ههه، خيالي المريض أو واشٍ ترصّدك.

-لا تكبتي الكلمات فصدركِ.

-بل أخُطّها على النسيم حتى لا يبقى لها أثر.

-بعض الآثار حلوة..

-وبعضها دليل..

-ليست كل الشّفاه متشابهة و لا القُبل أيضا.. لذلك ستبقى الرائحة إلى أن..

- ههه إلى أن يأتي ما يخالف ذلك.

-أكيد، أتذكرين لحظة جلست على ركبتي و أنا أقرأ ذلك النصّ؟

-أكيد فبعض الأشياء لا تُنسى..

- و أنا اقتربت، تهت، ركّزت مع بعض التفاصيل..

-ماذا وجدت فيها وقتها؟

- وجدت الكثير الذي استهواني.. أولها التخدّر في عينيك..

-ههه لكنك كنت مخدّرا بالفودكا و القُبلات ألم يكن من الخطر أن تزيدهم عيني..!

-ههه لم أكن مخدّرا بالفودكا بل كنت منتشيًا فقط  وبعض المجازفات حلوة كالتمعّن في عينيك و الذوبان في شفتيك الناعمة و أحمر الشفاه الذي زادها فتنة..

-قلت أنك متمرّد في الكتابة فقط.

- أمامكِ تسقط كلّ القوانين..

عزالدين شوية
محادثة بطعم الفودكا