بمقولة العظيم "علي الدوعاجي" أبدأ الحديث عن الفن في بلادي : "عاش يتمنّى في عنبة مات علقوله عنقود .. ما يفلح فنان الغلبة كان تحت اللحود."

الفن يا سادتي في أوطاننا إقترن بالذكرى حيث لا أهمية له في حاضره, بل هو منسي ومقبور. أتحدّث هنا عن فنّان تشكيلي تونسي يمثّل الحدث في بلادنا هذه الأيّام, يمثّل شعلة النور في شتائنا البارد الداكن. هو الفنان التشكيلي والرسام العصامي "عبد الرحمان دلدول" أصيل قرية طوزة ولاية المنستير, الشخصيّة المتفردة  والفنان المتميّز الذي شرّف بلادنا في مستهل هذه السنة الجديدة بين المحافل الفنية العالمية والعربية من خلال فوزه بالميدالية الذهبية وتتويجه بلقب أفضل فنان تشكيلي عربي في العالم في اختصاص الفن التجريدي ضمن بطولة العالم للمبدعين العرب لعام 2018.   الفنان "دلدول" هو الفائز بين الفنّانين العرب وهنا وطننا هو الفائز بين الأوطان و علمنا هو الأكثر رفرفة في عالم الفن التشكيلي, في أكثر الميادين رقّة و رقيّ رغم قساوة المشهد السياسي والإجتماعي والإقتصادي.

الفنان "دلدول" من بين الفنانين الأكثر عملا وإنتاجا فنّيا في تونس رغم قلّة - كي لا نقول غياب – الترويج  ونقص الإهتمام الإعلامي. اختار الفنان أن يُخرج الفن من قيود وحدود المدارس الفنية والتّيارات التشكيلية, فتميّزت لوحاته بحضور أكثر من أسلوب فنّي وهو ما يُعتبر مميّز ومتفرّد في مجال الرسم, كما استمدّ الفنّان عديد الأعمال من ثراء تراثنا وموروثنا الثقافي ليعيد تقديمه في صياغات فنّية جديدة وفي إتّساق تشكيلي ممتع ومتميّز.  بعد خبرته الطويلة في الرسم التشخيصي الواقعي, انتقل الفنان إلى سيرورة فنّية من التجريد والإنزياح عن المألوف والسّائد في أعمال متعدّدة ومختلفة, أعمال تحمل المُشاهد لها إلى الدخول في متاهة عميقة ورائعة من الأشكال الغريبة الفريدة والجرافيك المتداخل والألوان الفريدة.

ومن هنا, فإن الفنان "عبد الرحمان دلدول" كان الإسم المشرّف لبلادنا عالميا في ميدان الفن التشكيلي التجريدي, وهو فنان يجب أن لا ينساه الوطن في حاضره الفنّي الكبير والمرموق  بل يستحق لفتة واهتمام معتبركي تستفيد من خبرته ومن أعماله مناهجنا الثقافية وحتى التربوية, هذا وأن الفنان يستعد للخروج من جديد بمشروع فنّي جديد سيكون سابقة فنّية مهمّة.

محمد شاكر عكروتي - أستاذ فنون تشكيلية وناقد فنّي